الاحصائيات المتقدمة

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Font Size
    #1

    و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود


    ✳ الليلة الأولى

    كانَ الصّالحونَ يستَحوُن من الله أن يكون يومهم مثلَ أمسِهم !
    وأن تُرفع الأعمالُ في طي الغيوبِ بلا زيادة ..
    تراهم يتفقَّدون أيامهم .. فيضعونَ فيها و لو مِثقالَ شَعيرة حَبٍ ؛ ليرجَحَ ميزانُ اليوم عن ميزانِ الأَمس !

    رُبّما تبدو الحبّة في نظرك خفيفةً ..
    لكنَّ النّهار بها أصبحَ مختلِفاَ ؛ ولو قليلاًَ !

    فكيفَ كان حالٌهم إذن مع زمنٍ ؛ هو من أحبٌّ الأزمان إلى الله ؟

    لقد كان الحياءُ في نفوسِهم يشتَدّ أن يلقوا الله بصحيفةٍ ؛ تُشابه في ملامِحها صحيفةَ العام الذي مضى .. أو تُقاربه ..
    إذ للقربِ خطواتٍ ؛ لا يجوز أنْ تَتكرّر !
    فتراهم في مواسم القربِ مشغولين بحفظِ الجوارح ف( إنّ من حفظ جوارحه، حفظ الله عليه قلبه) .
    ولا هم لهم إلا القرآن يقيناً بأنه (‏"ما جعل عبدٌ القرآن هَمّه، إلا كفاه الله ما أهَمّه."

    فتذكـَّر أيها المشتاق للدِّيـار المقدسة ...
    لئن سارَ الرَّكب الى جبلِ المَغفرة والرحمة
    فقد جعل الله لنا نحن أيضاً سَـيراً !


    قال ابن رجب الحنبلي :
    ( هذه أيـّامٌ جعلها الله مشتركة بين السّائرين والقاعدين ، فمَن اغتنمها في بيتِه ؛ كان أفضل ممن خرج للجهاد من بيته ) !

    لذا كان سعيدُ بن جبير رحمه الله تعالى ..
    إذا دخلت العشر من ذي الحجة اجتهد اجتهاداً ؛ حتى ما يَقدِرُ عليه أحد ..
    وكان يقول : ( لا تُطفئوا سُـّرَجكم فيها ) !

    أشعلوا السُّرج في لياليكم ..
    عسى أنْ تشعلَ لكم أنوارَكم على الصّراط !
    واجتهدوا ..
    فَلرُبّ قاعدٍ خيرٌ من ألفِ ساعٍ ..


    والله من بعد
    يعلم صـِدقَ النّيات وخَفَيّ الَّدمَعات !

    د.كــِفاح أبو هَنّـود
    ( ولأني صغيرة وقصيرة
    على أن أصل إلى قفل الغياب
    جلست بجانب الباب
    .)




    إلى كل عضو له عضوية في منتدى
    إلى كل أخ وأخت كانوا يوماً هــنا !
    لمـــــــــــاذا !؟؟
    مهتـ منال محمد ــمة

  • Font Size
    #2
    رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود

    شكرا

    تعليق


    • Font Size
      #3
      رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود

      سبحانه ملاذ العابدين الساعين
      تقبل الله منا ومنك الليالي العشر
      وكتب لنا ولكِ الاجر


      أحتآجُ

      أحتآجُ
      موصول دعآء يآ أنقيآء ,’

      تعليق


      • Font Size
        #4
        رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود

        يا حياكمـ الله
        وأكرمنا وأكرمكمـ برضاه وتقواه
        وبنفح تلك المواسمـ دوما


        وأكمل هنا بعون الله تلك الدرر والخواطر للقديرة د. كفاح هنود حفظها الله
        تظل لنا وللآتين بعدنا وماظل صرحنا الشامخ
        حال بيني وبين رصدها تباعا سياسة منتدانا الغالي بالإطلاع على محتوى الموضوع الجديد
        ثم إطلاق سراحه


        هنايف الشكر لحضورك
        الأمل أحبكِ جدا للعلمـ
        ( ولأني صغيرة وقصيرة
        على أن أصل إلى قفل الغياب
        جلست بجانب الباب
        .)




        إلى كل عضو له عضوية في منتدى
        إلى كل أخ وأخت كانوا يوماً هــنا !
        لمـــــــــــاذا !؟؟
        مهتـ منال محمد ــمة

        تعليق


        • Font Size
          #5
          رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود



          ✳ الَّليلة الثانية

          حيـنَ تتّجهُ الى الكعبةِ ..
          تلتقي عيناكَ بِقدَمِ ابراهيم هادئةً في المقام .. فقد انتهى السّفرُ هُنـاك !

          تراها ضاربةً جُذورها في عُمقِ التّاريخ .. تقتربُ منها تحاولُ ان تَفهَمَ خَبايا أسرارِها !
          فتراها صامدةً كلحظتِها ؛ يوم تَقَدَّمَت نحوَ النّار دون تَلَكُّؤ ..
          فقد كانت قَـدم إبراهيم ؛ قَـدمَ صـِدق !

          كانت الجِهات يومها في حـسّ القومِ كُلّها منهارةً ؛ الا فـي بصيرة إبراهيم ..
          فقد كان يُردّد : "أنّي وجّهتُ وجهيَ للذي فَطَرَ السّماوات و الارضَ حنيفاً"

          يومها ..
          بدأ الابتلاء { وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } ..
          وَقدر المسافاتُ للغايات الجليلة أن تكـون ؛ طويلة !

          فانطَلَقَ ابراهيمُ وحدهُ خارجاً من حُدوده ؛ كَـي يبلُغ المقام !
          انطلق إبراهيمُ مـِن العراق الى فلسطين ؛ حتى يبلُغ الكعبة ..
          فهـل تَعني لك هـذه الخارطـة شيئاً ؟
          هل تمتلكُ هذه الرّحلة ؛ سِرّاً أو رمزاً ، أو رسالـةً لـك أيّها المُسلم ؟

          ماذا كان يحمِلُ هذا المُهاجرُ في حَقيبةِ سَفَرِه .. في سرِّ صدره ..
          في خُطاهُ المرسومة بحكمةِ الأقدار ؟!

          وبماذا كان يبوح في كلّ حِواراتِه مع الشمس و القَمر و النّجوم
          فقد كان ابراهيمُ لا يُتقِنُ النّظر الاّ الى النّجوم !

          كـان قلبُه هناكَ عالياً ؛ حيثُ العَـرش .. و كَْان عبـداً كثيـرَ التـأوّه و الدّعـاء
          إذْ كان يوقـِنُ :( أنّ الأقدار التي تأتيكَ بعد الدّعاء .. لا تَدعك حيث ُوجَدَتكَ ) !

          كان إبراهيم في تِرحاله يَنزِفُ كثيراً ؛ كي يَمنحنا الكثير !
          كلّ رِحلاته ..كانت غارقةً في التّضحية !
          كانت قدمه تَسعى من فلسطينَ الى مكّةَ ؛ أتدري لماذا ؟
          كي تُودِع الصغيرَ للصحراء !
          تلك رحلة الفناء عن الذات لله ..
          ومَـع كلّ خطوةٍ كـَان ابراهيمُ يقترِبُ مـِن مَقـام الخَليل !

          رحلة كلّما تقدّمتّ فيها يا إبراهيم إلى مكّة ؛ كان الدّرب يفرغ ..
          فَوحدَكَ أنت الزّحامُ .. و وحدَكَ انت بكلِّ الأنـام !

          كلّ خُطوةٍ له ؛ كانت تعدِل مَسيـر أمـّةً ..
          كلّ خطوةٍ ؛ كانت ترفَعُكَ الى حيثُ البيت المعمور في السماء السََابعـة !

          مَن غَيرَكَ يا ابراهيمُ يُطيقُ ؛ أن يُودع طفلهُ للمَجهـول ؟!
          طفلُ السّنوات ..التي أجدَبَت طويلاً دون صوتٍ كانت تشتاقُه فِطرَتُك العميقة !

          إسماعيل هو طفلُ السّنوات ..
          التي اشتَهَت ضمّةَ الصّغير ، و احدّودّبّ الظّهرُ دونها !
          يحمِلهُ إبراهيم لله دون أنْ يَتعثّرَ ..
          فَقَدَمُ ابراهيمُ ؛ لا يليقُ بها إلا الثّبات ..
          لذا ؛ ظلَّ الّنور يمضي حيث تمضي يَـا إبراهيم !

          كانت لِخطوَتِه على الرّمل المُنساح في الصّحراء ؛ دويّ في السّماء ..
          فقد كانت تُمهّد الطّريق بينَ القبلتين !
          تلك خَطوات ستَبقى في ذاكرةِ الخُلـود !

          يَـا ابراهيم ..
          هل تعلم أن عيد أمّة بأكملها ؛ سيبدأ من خُطوَتِكَ تلك نحوَ مكـّة !
          لقد سطَّرتَ بِقَدَمِكَ ميلادَ فِكرةٍ فحُقَّ لِقدمك أنْ ترتاحَ في ظـِلّ البيتِ أبداً !
          وحـُقَّ لك .. أنْ يجعل الله لك { لسانَ صِدقٍ في الآخرين } يُقتدى بك
          فبقيتَ حيّـاً يـا أبراهيم ؛ وَقـدْ مَـات القَـومُ و جَفـّوا !

          يَـا لِرَهبةِ الأقدار ..
          كيف يُولدُ الصّغير من عطشِ الشّوق اليه ؛ ثم يُحمل الى عَطَشِ الصّحراء !

          فيبكي الوَليدُ شوقاً لِقَطـرة الحيـاة ..
          فَتنهمِـرُ زمـزَمَ فوّارة أبَـد الدّهـر ..
          و يُبنى البيت ..
          ليُعلّمنا اللهُ : " انّك إن صَدَقتَ ؛ فَستَختَبِئُ لك المُعجزات في الأسباب المُستحيلة"

          " ليالٍ عشر "
          هـي مَدرسـةُ إبراهيـم فتأمـّل !








          ✳ الَّليلة الثالثة


          اسـأَل رِمالَ مكّة عن آلامِ خُطى هاجرَ و هي تتماسك ؛ كي لا تلحق بإبراهيم !
          يَقولون يـا هاجَـر ..
          إنَّ إحساسَ المرأة بالحزن و الألم ؛ يَعدِلُ ثمانيةَ أضعاف إحساس الرجل !
          فكيفَ صَمتَ الوجعُ فيكِ ؛ و إبراهيمُ يرحـلُ عنكِ و عـن الرّضيـع ؟!

          لا شيء كان يُخيف هاجرَ في هذه الصّحراء
          مثلَ مَغيبِ الشّمس في هذا المكان !

          ترتعشُ هاجَـر في هذه الصّحراء الشاسعة ..
          وماتدري أن اليباسَ تحت قدميه سيغدو سقاية الحجيج أبدا !

          تهَرع إليه !
          يـا إبراهيمُ .. كيف تجمعُ عَلينا غِيابان
          غيابكَ أنتَ ، و غيـاب الشّمس ؟!
          هل نَذرتَنا للفَناء ؟!
          صدّقني لا شَـيء يوحـي بغيـرِ ذلـك !

          آاللهُ َأمرَكَ بذلك يـا إبراهيم ؟ ف
          أجابَ : نعَـم !
          كَـان اللهُ فـي عَليائِه يَشهدُ تِلكَ اللّحظـة ..
          لحظة اختيارٍ بين خطوتَين ..
          نَحو ابراهيم أو نحوَ الله !

          لحظةً ..
          سُجّلت لِهاجرَ في تاريخ الكون ، و بها اعتَلَت المَـرأةُ مكـان الشّمـس !
          تسامَت على ضَعفِها ؛ حتى كأنَّها أُسطورةُ من خيال التاريخ !

          أيُّ دينٍ هذا الذي يوقِظُ النِّساءَ
          كي يَصّعَدنَ من السَّفحِ الى حيثُ تُقيمُ النُّسور !

          كَـي يُصبحنَ أيقونةَ الفِداء ..
          كي يملأَنَ الصُّخورَ المتشقِّقة من الجَفافِ ؛ بماءٍ لا ينقَطِع !

          كانت الدُّروبُ الصّامتةَ ؛ تَسمع وَقعَ أقدام ابراهيم مثقلة بالرَحيل !

          { ربّي إنّـي أسكنتُ مـن ذُريتي بوادٍ غيـرِ ذي زَرع } ..
          كم مرةٍ تهدَّجَ صوتُك ، أو تقطَّعَ ، أو تحشّرَجَ يـا خليلَ الله بين الكلماتِ ؟

          مَشهدٌ ..
          تئنُّ لهُ السّماواتُ ؛ و لا تئنُّ له جارية في مُقتبل العُمر !

          كَـان الرّعبُ يحيط بها
          الرعب في إنتظار العَتمَة الآتية ، و في بُكاءِ طفلٍ يُحرّكُ سُكونَ الصّحراء المخيفة
          لتُلقي بأثقالِها في وجهِ الجارية !

          تَنحني هاجرُ على الصغير فتبدو أمامها الحقيقة عاريةً
          لا شيء الا صُراخ الرّضيع !
          تتشبّث بـاليَقيـنِ ( أنَّ اللهَ لـَن يُضيّعَنا )

          تَشُدّ اليَدَ الغارقة في عَرَقِ الخوفِ على حبلِ الثّقةِ بالله
          ومثلِ لِبؤةٍ مَفزوعة تَهرعُ بيـن الجَبَليـَن !
          تهرعُ بين الصفا والمروة ..

          ثمَّةَ ما يستَحِقُّ الحَّياة ..
          ثَمَّةَ ما يستحِقُّ السَّعي ..
          ثَمَّةَ حِكمة وراءَ كلِّ هذا الهَول !

          كانت الأنفاسُ المُتلاحقة في هَروَلة الخطوات
          تَستبيحُ الصَّدرَ المُضطَّرب بالخوفِ المُشتَعِل !

          هنا الوِحدة و الوَحشة ..
          و مَـوتٌ يفتَرِسُ الطِّفلَ ..
          و رَمـلٌ ينتَثِرُ في عَينَيها ؛ كأنَّهُ اللَّهَيب ..
          و لا إبراهيمُ يُؤنِس الطَّريق !

          ترى هَـل بَكـَت ؟
          لم تُسجِّل ذاكرةَ الصَّحراء ؛ الا ارتفاعاً في صوت اليَقين !

          هل كَتمَت صرخَتها ؟
          لم تَشهد السَّماءُ ؛ الا صَمتَ المُوقِنين !

          هل شَكَت ؟ لا ..
          إذْ عَلَّمَها إبراهيمُ ؛ أنَّ النّورَ لا يَعبُر الا بعدَ اكتمالِ اللَّيل !
          وعَلَّمَها إبراهيمُ ؛ أن كل مايحجب الثقة بالله خطيئة !

          تلك جراحٌ نزفت .. فأضاءت للأمـّة الطريـق !

          يـا هاجَـر ..
          لو تَعلمين : أنَّ عَتمة الصّـحراء مـِن يَقينك تكادُ تُضـيء

          كَـانت زمـزم حينها ؛ تنتظـرُ ضَربَةَ قـَدَم الصَّغيـر ..
          و كانَ لا بُدَّ لذلك من اكتمالِ مَشهَد التَّضحية ، و تقديمِ كلِّ القَرَابين !

          (وعند انسـداد الفـُرَج ؛ تبدو مَـطالع الفَـرج ) !

          تَسعى الحَجيجُ اليوم على الخُطى الجَليلة ..
          على خُطى جاريةٍ ؛ كَتَبَت من خوفِها انتصار إرادةِ اللهِ عَبرَ امرَأة !

          ( هَـاجـَرُ ) ..
          لكِ من اسمِك أوفر النَّصيب في هِجرَةٍ ؛ تَمَّت للهِ وَحدَهُ ..
          هـِجرة لم يلتفت فيها القلب !

          أيـا سَيِّْدَةَ المَعاني الكبيرة ..
          [ مِنكِ تَستَلهِمُ المُرابطاتُ اليومَ في حَرَمِ الأقصى ؛ حكايَةَ النَّصرِ القَريب ..
          ومِنك تستلهم الأسيرات في سُجون الظُلم ؛ مَعاني الثّبات ]

          ( ولأني صغيرة وقصيرة
          على أن أصل إلى قفل الغياب
          جلست بجانب الباب
          .)




          إلى كل عضو له عضوية في منتدى
          إلى كل أخ وأخت كانوا يوماً هــنا !
          لمـــــــــــاذا !؟؟
          مهتـ منال محمد ــمة

          تعليق


          • Font Size
            #6
            رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود



            ✳ الَّليلةُ الرَابعة

            "و إذ يرفـعُ إبراهيم القَواعـدَ مِـن البيت"
            كم هوَ عُمرك يا إبراهيم ؟

            هِجرات ثلاث ..
            و سنوات ممتلِئَة بالتّضحيات ..
            و بناء بيت للهٍ ..
            و مشاهدَ لا تُحصى ؛ مـِن مواقفِ الثَّبات !

            بهذا تُقاسُ الأعمارُ يا سيّدي ..
            بِعُمقها ؛ و ليس بِطولها !


            تسكـنُ قاماتُ النّخيل العراقيّ فـي عُمرك ..
            و تتجذَّر أفعالك ؛ كأنَّها جُذور شجرة زيتونة مقدسيّة ..
            و يتّسع عُمرك ؛ كأنـّه صحراء الجَزيرة التي بَنيْتَ للهِ فيها بيتاً ليس لهُ مثيل !

            ما أطولَ عُمرك يا سيّدي ..
            فَرُبَّ عُمر اتّسعت آمادهُ ، و كثُرت أمدادهُ
            و أمطرت غيماته الى قيام الساعـَة.


            رَفَعْتَ بيتاً لله ؛ فَرَفَعَ اللهُ لك ذِكّرَكَ ، و رفَعَ مَقامك
            فلم يَلقاكَ مُحّمدٌ ﷺ الا في السّماء السّابعة
            مُسنِداً ظَهرَك إلى البيتِ المَعمور ..
            و وَحدكَ دُون الخلائِقِ ؛ امتلَكتَ هذا الشَّرف الجَليل !

            مِـن عُمرك ؛ انبَثَقَت يَقَظةُ الإنسان يـا سيّدي ..
            فأنتَ مَن نَزع الحُجُب عن العَقلِ ، و أثارَ كلّ تِلك التَّساؤلات
            و علَّمَنا كيف يكونُ الإيمان مبصِراً و واعياً !

            كانت آمالُكَ كُلَّ مساء ؛ تَتَبخّر الى السَـّماء ..
            تجمَعُها لك إرادةُ الله ، و تكتُب لك بها مَواعيدك مَع غيثٍ
            ستَرتوي منه البشريّة جمعاء !

            كم هي المسافةُ بيننا و بينك ؟!
            كما هي المسافةُ بين أصواتِنا و صوتك ؛ إذ تُؤذّن "في النّاس بالحَـج"
            فتخلو الآفَاق الا مِن صَـدَى كلِماتِك !

            كم هي المسافةُ بين أعمارِنا و عُمرك ؛ الذي يزدَحِمُ بالأحداثِ
            و يَسهر كلَّ ليلةٍ على الأمنياتِ الجليلة
            حتى استحقَّ أن يُسطِّره اللهُ على صَفَحاتِ القُرآن !

            كَـم كان عُمرك ..
            يوم كنتَ ترفَعُ القواعدَ من البيتَ بِيدكَ التي أورقَت بناءً شامخاً
            لم تُغيّره الدُّهور !

            لَم يكُن ابراهيم يَشيخُ ..
            ولَم يكُن لديه وقتٌ للنّهايات الذابلة
            فقد كان يعيشُ بقلبٍ يَستمّد زَيتَه مـِن نُـورِ السّـماوات و الأرض

            كان ابراهيمُ موطناً لـ " رَحمةَ الله و بركاتـه عليكُـم أهْـلَ البَيـت"
            كانَ إبراهيمُ يخلَع من خُطوته كًلَّ التَّوافِه ؛ و يُبقي قَدمه على العَتَبات الثَّقيلة !
            وكان وحدَه مَن يستحقّ أن يُقال له : ( مَرَّ وهذا الأَثَر ) !

            يَـا إبراهيم ..على قدرِ نِيّتك ؛ اتَّسَعت لَـك الأرض ..
            فأَنتَ حاضرٌ اليومَ في صلاةِ الأمّة ، و في مناسِكِها
            و في كُلّ لحظةِ التقاء بالبيتِ العَتيق !

            لِـخيرِ هَذه الأمّـة و خيرنا ..
            أنتَ رَحلـت ..
            و اعتَلَيتَ الصَّخرَ ؛ و بَنَيت ..
            و كَتمتَ الدَّمع ؛َ و مَضَيت ..
            و غادَرتَ العٍراق ؛ و ما جَزِعت ..
            و تَركتَ للهِ جارية و طفلاً ؛ و ما انحَنَيت !

            لِـخيرِنا ..
            تطاوَلَت كَفّكُ ؛ حتى اغتالَت كُلّ أوثانِ الضّلال ..
            و رَسَمَت لنا بعدَها ؛ ميلادَ أمـّةَ الهِـلال !

            و لِـخيرنا ..
            لَـم تنكسرَ نِصفين ؛ أمام هَولِ النـّار !

            لِـخيرنا ..
            لم تتمزّق أمامَ جَفاف الخَريف ..
            و كنتَ كبيراً في حُزنك ، و في سُؤلِك ، و في انتظارِ الرَّبيع !

            و اليوم
            لِـخيرِنا يـا موطِنَ الخَليل ..
            يـا بَقيَّةَ الخَليل ..
            ابقَوا على الرِّبـاط ..
            ابقَوا على الطّـريـق !










            ‏‎✳ الَّليلةُ الخَامِسة

            ‏‎"ربّي إنّي أسكنتُ من ذُريتي بِوادٍ غَير ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحرّم ربّنا لِيقيموا الصلّاة "

            ‏‎كـَانَ السّاكنُ ولداً واحداً ..
            ‏‎و كَـانَ الدُّعاء ؛ لِيقيموا " بواو " الجَماعة .. فكيفَ يتَّسِق ذلك ؟!

            ‏‎كيفَ يَصِحّ أن يودِعَ إبراهيمُ طِفلاً ؛ ثُمَّ يَنوي بِه فِعلَ الجماعة ؟!

            ‏‎الحقيقة ُ..
            ‏‎أَّنهُ لم يَكن لإبراهيم ساحِلَ في ُطموحه .. إذ رأى في الرّضيع ؛ فِعلَ أُمّة !

            ‏‎(لِيقيموا الصلّاة )
            ‏‎ تُرى هل كانت تُؤرِقُكَ إقامةُ الصّلاة يـا إبراهيم
            في هذا الفراغ الهائل من الصّحراء الصامتة ؟

            ‏‎ بِمن سيُقيمُ إسماعيلُ الصّلاةَ ؟
            ‏‎ و على أيِّ قِبلةٍ سيتّجه ؟!

            ‏‎كان إبراهيمُ في دُعائِه ؛ يَنسَكبُ أنهاراً من الفَهم ..
            ‏‎ كان يُخبّىءُ مكنونَ أُمنية ؛ أن يصّطَفي اللهُ إسماعيلَ لِبناءِ البَيت !

            ‏‎و يُحّيي به مَواتَ الحَياة ..
            ‏‎ فتولدُ بِميلادِه خَيـرَ أُمـّة !

            ‏‎ما أبدعَ القُرآن ..
            ‏‎إذ تصّطَفُ الحَقائق فيه ؛ لِتُنهي عصراً كانت الأُمنياتُ فيه ضَئيلة
            ‏‎إنّهُ يقولُ لك ..
            ‏‎ ما أوهنَ الذُّريّة ؛ وما أسرع ذُبولها يومَ تكونُ (زينَةُ الحَياة الدُّنيا)

            ‏‎و للزّينة مَواسم ..
            ‏‎و المواسمُ لا تَدوم !

            ‏‎ها هو يَقلِبُ التّاريخ و يصنع زمناً جديداً
            زمناً فيه معنى "إنّي نَذَرتُ لَكَ ما في بَطني مُحرراً "
            ‏‎و مهمّة جَليلة " ليُقيمـوا الصّـلاة"
            ‏‎و مَقاماً في الحَياةِ رَفيعاً "و إذ يرفعُ إبراهيمُ القَواعدَ مِن البَيتِ وإسماعيلُ "

            ‏(وإذ يرفعُ )
            ‏‎بِيَدٍ تَخّتَزِنُ دُعاء الأبِ الصّالح ، و تتّسع لِقدرٍ إختارها اللهُ لهُ ..
            ‏‎ " وبياءِ " المُضارع ؛ حتّى كأنَّ الفِعلَ لا زالَ حيَّاً !

            ‏‎سُبحان الله ..
            ‏‎أيّ حياةٍ هذه التي لا تَمـوت !

            ‏‎ حتّى كأنَّ دُعاءَ إبراهيم "رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصّلاة و من ذُريتي"
            حَفرَ في مَسامِعِ السّماء .. فَلَم يبقَ الا أن تَنهمرُ لهُ السّماء إجابةً و عَطاء !

            ‏‎من يَقدِرُ ؛ أن يَنوي في الطِّفل القادم غَير فَرح نَفسه ؟!
            ‏‎ من يَقدِرُ ذلك ؛ يَجمعَ اللهُ له في الطّفل مَدائنَ الأَفـراح !

            ‏‎مالِحة هي النِيّات ؛ إن لَم تَكُن للغاياتِ الجَليلة ..
            ‏‎ نَتَجرّعها ؛ و لا نكادُ نُسيغُها !

            ‏‎و ربّما نَقطِفها ؛ مَثل عُمرِ الوَردِ القَصير ..
            ‏‎ربّما لم يَلمس إبراهيم يَدَ الصّغير ؛ و لم يُناغِيها ..
            ‏‎ لكنَّ اللهَ خَبَّأها لهُ ؛ ساعداً شَديداً ترفًعُ مَعَهُ أَعمِدةَ البَيت !

            ‏‎و يا للمُفارقةِ في التَّعبيرِ القُرآنيّ
            اذ يَصِفُ اللهُ سَريرةَ إبراهيم في إسماعيل بِقولهِ: (ليِقيموا الصّلاة)
            ‏‎ و في الإقامةِ ؛ مَعنى رفع البِنيانِ حتّى يكتمل !

            ‏‎ثُمَّ يَصفُ فِعلَ إسماعيلُ : إذ كَبّر بِقوله (يرفعُ) ، (القَواعدَ)
            ‏‎ فَيظـَلُّ بِذلك (عنـدَ رَبـِّهِ مَـرضيّاً)

            ‏‎لَكَأنَّ إبراهيمُ أرادَ من رَبّه طِفلاً لِكلّ العُصور ؛ و كلّ الدّهور ..
            ‏‎ طفلاً يَكبرُ ؛ فَتكّبُرُ مَعَهُ سَنابلُ القَّمحِ ، و يعرِفُ كيفَ يَنشُر العَبير !

            ‏‎يَـا إبراهيم ..
            ‏‎في سَريرتِكَ كُنتَ تصّنعُ لَنا إيقاعاً جَديداً ؛ لا نَعرِفُ عَزفَه ..
            ‏‎ و كنتَ تُعلّمنا ؛ أنَّ البُطولةَ أنْ تتفَرِدَ في إيقاعِك !

            ‏‎قيلَ يومـاً : عُلوًّ في الحَياةِ و عُلوًّ في المَمَات
            ‏‎وانا أقـولُ : ‏‎إنَّ عُلوَّ النِّياتِ ؛ يَنفي عـن صاحِبِها المَمَات !

            ‏‎ألا تَسمعُ صَوت زَمزم كَيفَ ظـَلُّ يفـور !
            ‏‎ألَا تَرى البَيتَ ؛ و هُوَ يَكّتَظُّ بِالحَجيج !
            ‏‎أَلا تُبصِرُ نَسلَ إسماعيل ؛ يَنساحُونَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميق !

            ‏‎مَن أرادَ صَهيلَ الخُلود في الملأ الأعلى
            فَليركب خَيلَ ( كـانَ أُمَّـةً )

            ‏‎
            ( ولأني صغيرة وقصيرة
            على أن أصل إلى قفل الغياب
            جلست بجانب الباب
            .)




            إلى كل عضو له عضوية في منتدى
            إلى كل أخ وأخت كانوا يوماً هــنا !
            لمـــــــــــاذا !؟؟
            مهتـ منال محمد ــمة

            تعليق


            • Font Size
              #7
              رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود



              ✳ الَّليلةُ السـَّادِسَة


              " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى"

              (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تؤمر )
              مابين هذين الموقفين ألفُ تاريخٍ وقصّة
              مابينَ ليلةِ الإعترافِ لإسماعيلَ بِنيّةِ الذَّبح ؛ و بينَ مقام إبراهيم
              فَتىً بين يديّ أبيه يُناديه :
              "يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مـِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُـونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً"

              يالله هل كان يَظنّ إبراهيم بنفسه ؛ أن يَذبح ابناً صالحاً يقول له:
              "افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"

              مَـا فعلها " آزَر " مَعـه !
              و يَـا للمُفارقةِ في الأقدار ..
              فَعَلى حين هُدِّدَ ابراهيم من أبيهِ بالرَّجم
              ها هو إبراهيمُ يَرجم إبليسَ الواقف عَقبةً في طريق ذَبحِ الطّفل الصالح
              الذي (اشتد) حتى (بَلَغَ مَعهُ السّعي )

              ما الذي يَفعله اللهُ بإبراهيم ؟!
              ما الذي يَفعله اللهُ بإبراهيم ؟!

              تَتكـرّر المشاهـدُ فـي غَرابـةٍ عَجيبة ..
              تدورُ كدوّامةٍ غامضة ..
              يتصبّبّ الماضي ؛ عرقاً فـي جَسد الخليل ..
              يشتدُّ الخفقانُ المرّ في قَلبه ..
              و تتآكلُ قدميهِ مـن شـِدّة المَشـي !

              تجفّ الكلمات في حَلقه :
              ياهاجر .. كَم مرةٍ سَعَينا مـن أجلِ هـذا الوليـد !

              كانت الأولى ..
              بيـن الصّفا و المَـروة يـا ولـدي ؛ كَـي نَنِبش لكَ الحَياة !
              و في الثّانية ..
              نَسعى بكَ بين العَقبات ؛ كَـيْ نُهيّئك للمَـوت !

              هل السّعي قَدرٌ لنا ؟
              هل الهِجرة و الرِّحلة و السّير حكايتنـا ؟
              متى سَتهدأُ الأقدامُ التي أكلَتها تضحيات الطَّـريق ؟


              يَـا بُنيّ ..
              قُـل لأبيك لا ؛ رُيّما أعتذرُ لك بها عند ربّـي ..
              و لا تقلّ يا أبت ؛ِ فثمّة موت يَعتَريني كلّما ناديتَ !

              للمرة الألف ؛ يقفُ إبراهيم أمام الإبتلاء وحيداً ..
              فَقبلها النّار ، و بعدها النّفي ..
              و لكنّها المرة الأولى التي تَرتفع يَدَهُ كي يرجُمَ الشّيطان
              حتَـى لا يُوقفه فـي مًنتصف الأمـر ..

              ربّما كانت النّار أرحمُ لو عادت بها الأقدار !

              تشتعلُ فتائلُ الحـُزن فـي الصّميـم ..
              و تشهد له السّماء رغم ذلك ؛ أنّ إبراهيم لم يُراوح بين نعم و لا !

              يالله هل يَحتملُ إبراهيم ؛ صَرخة إسماعيل عند الذبح ؟
              أما كان يَكفي ؛ صُراخ الرّضيع في وَحشة المَجهول ؟!
              فلا زال نَحيبُ ألمها في السُّويداء ؛ لم يَصمِت !

              هل جرّبت أنْ لا يبقى بينك و بين إبنك ؛ إلا سِكّينة الذّبح ..
              أن لا يَبقى من عُمره ؛ إلا انهمار الدّم ..
              أن تَسوقه ؛ كي تَنثالَ على يَديـك قطَـراتُ رُوحـه و هـي تَئـِنّ !

              كانت يَدُ إبراهيم تُقاوم اللّجام ..
              و كان الإبتلاء ؛ ينثالُ عليه و يُصبُّ صبّاً ..
              وكان ملكوتُ الله كلّه ؛ يشهدُ دويّ اللّحظة الأخيرة حين
              (أسلما و تَلّه ُللجَبين )

              ودّت الشّمسُ ؛ لو تتوقّف عن المَسير ..
              و صمتَ الكَـونُ ؛ فقد كان الحَدث فوق طاقة الحياة !

              انزَوَت الكائناتُ ؛ قبل أن تنكسر أُرجوحة الصّغير
              بِيَدٍ كانت تَفيض بالقَمح و السّلام ، و لم تَعرف إلا تكّسير الأصنام.

              ماذا يفعلً الله بك يا إبراهيم ؟!
              النّجمة التي اشتَهيتُها طويلاً وَوهَبتُها كلَّ الدّعاء ؛ هَـا أنـا أغمِضها للمَـوت ..
              و سأُبصر دَمَها كلّ صباح ؛ٍ فـي أطباق الطّعام !

              ما بين ليلة المَنام حتى لحظة النّهاية
              قَطَعَ إبراهيمُ ألفَ خَطوة بألفِ تَنهيدةٍ و تَنهيدة !
              ووحده كان الله يسمع ..
              " يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً"

              ها أنذا أحتاجُ أن أرتّلها كثيراً ..
              أحتاجُ ؛ أن أُقاتل الشّيطان بكلّ حجارة الدُّنيا !
              ياللأقدار كيف نُبتلى بما نقول ..

              و عند النّهاية قالت الحياة :
              "ما ذَنبُ اليَمامة أن تَرى بِعينيها العُشّ مُحترقاً و تَجلس فوقَ الرّماد "

              لِلمشهدِ بقيّة ..
              فالمَقامات عِندَ الله ؛ِ لا تُورَّثُ ..
              و لكنّها ؛ تُنـال بِسَبقِ القٌـلوب !








              ✳ الَّليلةُ السَابعة


              " فَلمّا أسلَما "
              هذه الآية ؛ هي عَرشُ الحَكاية

              " فَلمّا أسلَما "
              و ارتَدَيا ثِيابَ الخُروجِ من ذَواتِهما .. و َنَزعا حُليّ الحَياة ؛ و تَخلَّصَا كِلاهِما ..
              فلا ألوانَ في عَينَيهِما ؛ إلا لون الحَقيقة ..
              و أيقَـنَا ؛ ما ثمّ إلا الله !

              ما ثمّ إلا هو ؛ كي يَقِلبَ النّار بَرداً وسَلاماً ..
              ما ثمّ إلا الله !

              هي لحظةُ الإعترافِ ؛ أنَّ الأمر كلُّه لله، و أنَّ الهَزيمة نَصيبنا
              إن أَفلَتنا الحَبلَ المُوصول بالله.

              كانَ اللهُ يُعلِّمُنا عبر مدرسة إبراهيم ..
              أن لا عَقل ضَرير و لا مشاعرَ مُحايدة مع الله
              بل هو إيمانٌ أبيض واضح لا مَناطق رَماديَّةَ فيه
              لا مناطق مترددة فية !


              إيمان أبيض تماماً كَلونِ ثياب الحَجيج ..
              يرى الحقيقة جليّة : أن مـا في الكون إلا الله !

              إيمانٌ يَفهمُ ؛ أنَّ المُختارين لصناعةِ الحَياة هم قمم الحياة
              لذا لا بدّ أن تَغسلهم السَّماءُ ؛ فلا يَبقى فيهم شائِبة !

              (أسلَما )
              هكذا إذن اطوِ نَفسك و استَوطِن أمر الله
              حتّى لو كان فيه نَحيبك و صوت وَجعِك !

              (أسلَما )
              فماذا يَملِكان ؟ إذ لا مَفَرَّ منهُ إلا إليه !
              في هُنيهة من الزَّمن ؛ انحنى الألمُ بين يديِّ الله ..
              فقد كانت اللَّحظاتُ تَضيقُ وتَضيقُ؛ و لا تَحتملُ دَمعةً أخيرة !

              (أسلَما )
              حتّى أنَّ ذاكرةً بحجم الكونِ لن تُطيق أن تَفهم
              كيف َيستسلِم الأبُّ للسِّكين في يدهِ تَنهَشُ رَقَبَةَ الوَلَيد !

              (أسلَما )
              بيقينٍ أن لا مَدَّ و لا جَزر ، و لا صيفَ و لا شِتاء
              و لا نَقصَ و لا اكّتِمال ؛ إلا بِه !

              (أسلَما )
              حتّى تَراءى لَهُما أنَّ الأصوات يتيمةٌ بلِا صدىً ؛ إن لم يَنفخُ فيها الله !
              و أنَّ الحَطب تهّجُره النَّار ؛ُ إن أرادَهُ اللهُ بلا معنى !

              واهمٌ من يظنُّ أن له حولاً أو قوة !
              ربّما لأجلِ هذا ؛ أوصى الخَليلُ محمداً في رِحلة المِعراج أن يُعلّمنا
              " لا حول و لاقوة إلا بالله " !

              كم هو ثَمينٌ ..
              أن نرى أسبابَ هَشاشَتِنا ..
              أن نفهم أن قيود الحَياة ؛ مـن مالٍ و بنينَ و جـاه ..
              هي أغلال الأرض التي تعُرقل صَعُودنا نَحوَ المَجد !

              كم هو مُهم .
              ٌّ أن نُرمِّمَ أنقَاضَنا ؛ إذا أَردنا أن نَبنِيَ بَيتاً لله !


              الأشياء الصغيرة من متاعِ الدّنيا لها جاذبيةٌ مَخفيّة
              قد تَسحَبُنا الى أفراحٍ كثيرة لكنّها تَزول !
              و الله كان يُريد للمُصطفين حضوراً في الكونِ لا يَغيب !


              هاهو الوقتُ في لحظةٍ من الصِّدق ؛ِ يَتوقَّفُ لا يأتي و لا يَمضي ..
              و في لحظة من انبثاقِ إيمانٍ لم تُجرّبه الملَائكة
              يُولَدُ الهلال ، و يَكّبُر و يَستدير !

              تنفَتِحُ بوابة من النَّعيم ..
              تنفجرُ أنهارُ الجنّة ؛ بِغِناءٍ أُسطوريٍّ عَجيب ..
              ينطفىءُ لهيبُ السِّكّين ؛ و يُفتدى الذّبيح !

              فقد وصلت لحظةُ الوعي
              و بَلَغَ الاثنان تَسامٍ عَجيب !

              كان اللهُ يعلمُ كل ذلك ..
              لكنّه يريدُ ؛ أن يَسمع صوت إبراهيم بالتّسليم !

              ثمَّةَ صوت سيمنحُكَ اللهُ إيّاه يا إبراهيم ؛ سيبلُغ كل الآفاق ..
              سيأتونك بـه (مـن كلِّ فَـجٍّ عَميق } ..
              صوتٌ لابدَّ أن يُمَتَحَن ؛ كـي يَبلُغَ المقـام !
              وتلك ضريبة الاصطفاء ..

              وأنّى لكَ يا إسماعيل شَرف الدّهر ؛ إن لم تَترك لله بعض نَفسِك !
              أن تتخلّص يا إسماعيل ؛ من مَتاهَة الذّاتِ ، و تكّتشف أنَّ لديك قوّةً
              يُمكن أن تُودِعَ بها نقاطَ ضَعفِكَ البشريّة ..
              فذاكَ نوعٌ من الإنتصار ؛ِ يَستحقُّ كَبشاً من فوق سَبعِ سّماوات !

              كان اللهُ يريدُ لك ؛ زمنـاً بلا حُدود و بلا نهاية ..
              و يريدُ أن يُبقيكَ في التّاريخ ..
              فقد كنتَ دعاءَ أبيك !

              و قديماً في جاهلية عمياء قِيل :
              ( للبيتِ ربٌّ يَحمِيه ) !

              و الحقيقةُ أنَّ للبيتِ أهلٌ تَبنيه ..
              يَصطَفيهم حين يُبرهِنون ؛ أنَّهم قاربوا مَرحلَةَ
              "وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بِكلماتٍ فأتمَهُنّ "
              وهنا يكمن الدرس الخفي ..

              و اليوم ( لِلأقصى ) ..
              أهلٌ تَحميه و تَبنيه ..
              و على خُطى الخَليل و إسماعيل سَتُعليه !

              فهذا زمنُ القَرابين المُباركة للبيوتَ التي ستَرتَفِعُ
              فلا تـزول .. لـو تَنتَبِهون !






              ✳ الَّليلةُ الثامِنة


              "رَحمة الله وبَركاتـه عليكُم أهـلَ البيت"

              (أهلَ البيت)
              تعبيرٌ قرآنيّ ؛ يُوحي بمعانٍ مكثّفة
              تعبير ٌلم يُذكر في القرآن إلا مرتين :

              الأُولـى ..
              كانت وصفاً لبيت إبراهيم - عليه السلام -
              و الثانية ..
              في نَفي الّرجس عن أهل البيت لمحمّد ﷺ !

              فمن همـ ( أهل البيت)

              (أهلَ البيت)
              هم أهلُ بيتٍ ؛ أُسّس بُنيانه على تقوى من الله ..
              أهلُ بيت صامتة جَوارحهم في الخطايا ..
              و لِدبيب نِعالهم صدىً في الجنّة ؛ كأنّها حَفيف أوراقِ الشّجر من كَثرة سَعيِهم !

              (أهلَ البيت)
              كل البيت .. إذ دوماً مِن البيت يبدأ ثَمن الأحلام ..
              فمن النّادر أن يَجدَ رجُلٌ امرأةً تَحلُم مَعه
              ثُمّ تُحسن أن تَحميَ الأحـلام !

              امرأة ؛ يأتي معها المَطر ، و تحوّل البشرية بِفَرحٍ
              نَحوَ قِبلةٍ يُريدها الله لِبقيّة أعوام الحياة !

              صدّقوني ..
              إذا أحبَّ الله عبداً ؛ رَزقَهُ سنديانة تَحفَظه في غَيَبتِه
              ثم تحُنو عليه ، و تَخِبز معه قَمح المعركة.


              إذ ما أَندرَ أن تجِدَ إمرأة ؛ تَحرُس السّنابل
              في الحُقول المُثقلة بانتظارِ لحظةِ الحَصاد الآتية !

              امـرأة ..
              تعرِفُ كيف تَنتظر في مواسمِ الحرِّ القائظة
              و تمسحُ عن الوعد الإلهي حبّات العَرق !

              امـرأة ..
              تَنفرِدُ إذ تُرتّل الصَّبر في العاصفة ، و تجعلُ من سُقوط المَطر
              لحظةَ التّوسل لمن مَلكَ الأقدار المُـغيّرة !

              ذات يومٍ قيل ..
              (وراءَ كلّ رجلٍ عظيم إمرأة ) .

              و أنا أقول ..
              (وراءَ كلِّ هِجرة جليلة إمرَأة ) !

              رجل و امرأة و طفل فقط ..
              كانوا يُشيّدون المستقبل في أُمنياتهـم ؛ قبـل أن يُشيـّدوا بَيتـاً لله !

              هُناك مقاعد شاغرة تُتيحُها لك الأقدار
              و تنتظر مَن يَتربّع عليها ، و تكون عَتَبات لِـ "مقعدِ صدقٍ عند مَليكٍ مُقتدر"

              وقد استحقّها باقتدارِ ( أهل بيتٍ ) دون نُقصان !

              كان إبراهيمُ - عليه السلام - يتنفّس الفِداء كلَّ يوم
              و يُمضي عُمره في ثِياب التّضحية !

              هل تدري يَـا هاجَـر ..
              أن إبراهيم قَدّمَ حِرمانه مِنكِ و فَراغ الأيامِ إلا من الحنينِ إليكِ بين يديّ ربّه
              فقد كان نبيّاً في قالبَ إنسان ، وكان الله بذلك عليمـاً !

              كان يُصابر في عَتمة الشّوق ..
              علَّ العَتمة تَلِدُ ثَلاثَةَ أقمار ؛ تحقّق وعدَ النّورِ في الصّحراء !

              أيا هاجر
              راحلان أنـا وانتَ و الصّغير ؛ حتى يُولدُ الأَمـل !

              يَـا هاجَـر ..
              مَـا أروع العُقود التي تُمهرها السَّماء !

              كانت يدا هاجَر خميلة عنبر ؛ و في حُضّنها بُلبُل ..
              وكان زهر النّوار ؛ يَختَبِىءُ في الرّحم التي غادَرَت إلى الصحراء .. وحيل بينه وبينها !

              يالله هـل خَطَر بِبالك ..
              أنَّ بعضَ الإبتلاء ؛ أن يُحالَ بَينك و بين من تَحملُ بِذرة الأملِ للولادات الجَميلة !

              هل خَطر ببالك ..
              كم صابَرَ إبراهيم ؟!

              و كان يظلّ يرُدّد :
              ( يـا قلبُ أنتَ وَعدَّته ؛ فاملِك زِمـام الصَّبر ) !

              ما الذي يَجعلنا مَوطِنَ نظرِ الله ؟ فقط أن نَنقِل بُيوتَنا الى حالةٍ تُمثّلُ كَلِمَةَ الله !

              (أهلَ البيت)
              فقد كانوا أهل بيت ؛ٍ شاركوا جميعاً في رفعِ أحجارِ البيت !

              أهل البيت وَرَدت فـي سـورة الأحزاب ..
              حيث ُاجتمَعَت المَعاوِل للهّدمِ ..
              فكأنَ الله يُعلِّمنا :
              (أن لا شيء يَهزِمُ جيشاً جبّاراً ؛ مثل أهل بيتٍ يحمِلون رسالة )

              صدّقني ..
              نحنُ لا ننهدِمُ من الخارج أولاً ..
              بل نَنهدم من الدّاخل ؛ ثمّ يَسهُل إلينا الإختراق !

              قَـال لـي ..
              كيف بَلغْنَا اليوم كلّ هذا الحزن المُرتَسِم في ملامِح واقِعنا ؟!

              قلتُ له ..
              إنَّ الحِداد يبدأُ من البُيوت ؛ ثمّ يستمرّ فـي الأُمـّة !

              هناك في قَوقَعَتِنا الدّاخلية ..
              يولَدُ كلّ حزن في الأمّة ..
              تماماً كما يَختَبىءُ الفَرَحُ القادم للبشريّة ؛ في عُيون صِغارنا !

              يَـا هَـذا ..
              أهـلُ البيت كانـوا أهـلاً لِبنـاءِ البَيت ..
              و لـن تَرتفعَ بيوتُ الله ؛ إلا باكتمالِ بُيوتنا !
              إلا ببلوغنا حال (أهلَ البيت)


              ‏‎
              ( ولأني صغيرة وقصيرة
              على أن أصل إلى قفل الغياب
              جلست بجانب الباب
              .)




              إلى كل عضو له عضوية في منتدى
              إلى كل أخ وأخت كانوا يوماً هــنا !
              لمـــــــــــاذا !؟؟
              مهتـ منال محمد ــمة

              تعليق


              • Font Size
                #8
                رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود

                ( ولأني صغيرة وقصيرة
                على أن أصل إلى قفل الغياب
                جلست بجانب الباب
                .)




                إلى كل عضو له عضوية في منتدى
                إلى كل أخ وأخت كانوا يوماً هــنا !
                لمـــــــــــاذا !؟؟
                مهتـ منال محمد ــمة

                تعليق


                • Font Size
                  #9
                  رد: و"ليالٍ عشر" د. كفاح أبو هنود



                  ✳ الَّليلةُ التّـاسـِعة

                  في كُـلّ المَساءات التي خَيّمتُ فيها على بابـِك يـا مَـولاي ..
                  كـَان بيني وبينَ صَرير فَتحِ الأبوابِ ؛ مُعجزة !

                  كـانت خَطيئتي ؛ تُغلق عليّ كـُلّ شَـيء
                  كأنّ الغَسق الجائِع في عَينيها ؛ يلتهمُ كُلّ انبثاقةِ أملٍ أو بصيص نُـورٍ أو لحظة فَـرج !

                  كانتْ تُمَزِّق لي كُـلّ نسيجٍ خاطَته دَمعاتي المُتعثِّرة ..
                  ثُمَّ تَرميني في العَـراء !

                  أوّاه ُ..
                  مـَن يحتملُ الوُقوف فـي الصّقيع عاريـاً ؟!

                  مَـن يحتملُ ..
                  أنْ تأتي الفصول بالسـِّلال الفارِغـة ؟!

                  مَـن يحتملُ ..
                  أنْ يكون قِطعةَ خَشبٍ ؛ مُلقاة على شاطِىء المَجهول ؟!

                  لقَد ظنَنتُها أحاطَـت بـي ..
                  فلمّا أشرقَت شمسُ عَـرفة ؛ رأيتُك تَمنحني مَفاتيح الفَـرج ..
                  تَجمعني بِسَفينتي ؛ فأبُـحِرُ مـِن جَـديد !

                  رأيتُك تُدثـّرني بِعَظمةِ سِترك .

                  رأيتُك تَسمعنا ..
                  وتمسح عنـّا آثامنا .

                  رأيتُك في عَـرفة ؛ ربٌّاً وَدوداً ..
                  وسمعتُ صَـوت صَـرير الأبوابِ يتَزحـزح !

                  و مَـع مَغيبِ شمسِ عَـرفة ..
                  ودَّعتُ سـِجلاً مُرهِقاً مِـن عَثراتـي !

                  أتدري ما عرفة ؟
                  عرفة ابتداء العمر .. فو اللهِ ما عُمُرك مِن أوّل يومٍ ولدَّت ..
                  بَل من أوّل يومٍ عَرَفتَ الله!
                  و أَزيُد .. بل من لحّظةِ إغتسالك من آثامِ حَجَبَت عَنكَ الله.!

                  و مَـا أجمَل السّلف ..
                  إذْ تفطّنوا إلى عُلوِّ زمَـن عَرفـة ، و جَـلالِ قيمته ..
                  فها هو - الإمامُ الأوزاعيّ - يقول :
                  أدرَكتُ أقواماً كانوا يُخبِّئون الحاجاَت ليومِ عَـرفة ليسألوا اللهَ بهـا.

                  و قال أحَـد السَّلف :
                  من خمسين سنَة وأنَا أدعو في يوم عَرفة
                  وما يدورُ على الحَول إﻻ وأرى إجابةَ دُعائي كفَلقِ الصُّبح.

                  فيا ربّ ..
                  هَـبْ لنا مَقاماً و عَطاءً ؛ كَعطاءِ إبراهيم
                  يَـا ربّ ..
                  قُلوبنا تَطوف حَـول العَرش ..
                  فتقَبّلها ؛ و لا تَحرمها خيرَ مَـا عِندك بسُوء مَـا عِندنا !
                  يا ربِّ ..
                  واغفر لنا خَطايانا الّتي أغلَقَت عَلينا كُلّ شَيء .
                  يـا ربّ ..
                  لمْ يبقَ في كِنانَتـِنا ؛ إلا سَهم عَـرفة !
                  فيا ربّ ..
                  لا تَـدع شَمسُ عرفةَ تغيبُ ؛ إلا وقَـد اصابَ فيها السَّهم كُـلّ أُمنياتـِنا !




                  الصفحة على الفيس بوكـ
                  ‎د. كفاح أبوهنّود‎. 272,025 likes · 10,142 talking about this. ‎كفاح أبوهنّود دكتوراة في التفسير وعلوم القرآن كاتبة تربوية ومشرفة برامج قرائية عديدة‎



                  ‎🔸د.كــِفاح أبو هَنّـود 🔸
                  ---------------------------------
                  ‏‎‏‎‏‎☑رقم خدمة الواتس أب :
                  00972598981055
                  ( ولأني صغيرة وقصيرة
                  على أن أصل إلى قفل الغياب
                  جلست بجانب الباب
                  .)




                  إلى كل عضو له عضوية في منتدى
                  إلى كل أخ وأخت كانوا يوماً هــنا !
                  لمـــــــــــاذا !؟؟
                  مهتـ منال محمد ــمة

                  تعليق

                  Loading...


                  يعمل...
                  X