الاحصائيات المتقدمة

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الثناء الصادق ـ تأملات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Font Size
    #1

    الثناء الصادق ـ تأملات




    الثناء الصادق المعتدل مما يشعر الإنسان بقيمته , ويهزه إلى المكارم هزاً , فيقوده إلى الصفح , والعفو , و إحسان الظن , والبذل .
    كما أنه دليل على كرم سجية المُثْنِي , وعلى بعده عن الأثرة والشح ؛ فهو من قبيل الكلمة الطيبة , و الكلمة الطيبة صدقة .
    كما أن له ارتباطاً بخلق كريم ألا وهو الاعتراف للمحسن , وعدم غمطه حقه , ولا ريب أن هذه المعاني من أعظم ما يرتقي بالمشاعر , وينهض بالهمم , ويحفظ للناس أقدارهم , وينأى بهم عن السفاسف و المحقرات .

    بل إن كرام الناس إذا مدحوا أبت لهم هممهم أن يكونوا دون ما مدحوا به .

    بل إن الثناء الصادق مما تنشرح له صدور العظماء , ويشعرهم بصواب ما هم عليه , ويقودهم إلى مزيد من الخير و الإحسان , ويسد عليهم باب الكسل الذي يواجههم به المخذِّلون , و المبالغون في النقد .

    ولهذا سلكت هداية القرآن الكريم هذا المهيع , فكم هي الآيات التي ورد فيها الثناء من الرب الكريم جل وعلا على بعض عباده الصالحين ؟

    إنها كثيرة جداً , منها قوله تعالى في الثناء على نوح عليه السلام : ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ) الإسراء : 17 .

    وقوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ) هود : 75 .

    وقوله في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ “4″) القلم .

    أما السنة النبوية فحافلة بهذا المقام ؛ ولو ألقيت نظرة في دواوينها , وفي كتب المناقب منها على وجه الخصوص لرأيت عجباً , وإليك هذين المثالين فحسب : جاء في صحيح البخاري عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال , أو بسبي فقسمه , فأعطى رجالاً وترك رجالاً , فبلغه أن الذين ترك عتبوا ؛ فحمد الله , ثم أثنى عليه ثم قال : ( أما بعد , فوالله إني لأعطي الرجل , وأدع الرجل , والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي , ولكن أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع و الهلع , وأَكِل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغني و الخير , منهم عمرو بن تغلب ) فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم .
    فانظر إلى هذا الثناء , وانظر إلى أثره في نفس عمرو بن تغلب رضي الله عن حتى استغنى أن يطلب مالاً ؛ فكانت هذه الكلمة أحب إليه من حمر النعم , وهي أَنْفَسُ ما تملكه العرب .

    وجاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا ؛ فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكنت غلاماً شاباً , وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني , فذهبا بي إلى النار , فإذا هي مطوية كطي البئر , وإذا لها قرنان , وإذا فيها أناس قد عرفتهم ؛ فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار , قال : فَلَقِيَنا ملك آخر , فقال لي لم تُرَعْ .
    فقصصتها على حفصة , فقصَّتْها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل ) .
    فكان عبدالله بَعْدُ لا ينام الليل إلا قليلاً .

    فهذه أمثلة يسيرة من السنة , و المقام لا يحتمل الإطالة في ذلك , وإنما هي إشارات يتبين من خلالها أن الثناء الصادق سنة متبعة , وأن له آثاره الحميدة .

    ولهذا تتابع السلف الصالح على هذا الخلق النبيل , فلو نظرنا في سير أكابرهم لرأينا ذلك واضحاً ؛ فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول : ( كان معاذ بن جبل أمة قانتاً لله حنيفاً , ولم يكن من المشركين ) تشبيهاً له بإبراهيم الخليل عليه السلام _.

    فهذا الثناء من ابن مسعود رضي الله عنه دليل على إنصافه , وزكاء نفسه ؛ فمع أنه من أكابر علماء الصحابة , ومع أنه أسبق إسلاماً وأكبر سناً من معاذ , إلا أنه لم يجد في نفسه عضاضة من الثناء عليه , وإنزاله منزلته اللائقة به .

    وهكذا كان شأن الصحابة رضي الله عنهم وبمثل هذا الخلق النبيل سادوا , وارتفعوا , فكانوا خير أمة أخرجت للناس , وكانوا أكثرهم اتفاقاً ووئاماً , وأقلَّهم خلافاً وتفرقاً .

    وهكذا درج من جاء بعد الصحابة على هذا المنوال ؛ فهذا الإمام أحمد رحمة الله يقول : ( أتدري مَن الإمامُ ؟ الإمام سفيان الثوري , لا يتقدمه أحد في قلبي ) .

    وقال : ( قال لي ابن عيينة : لن ترى بعينك مثل سفيان ) .

    وهذا سفيان الثوري رحمة الله يقول : ( كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل , ولو كان في الصحابة لكان رجلاً فاضلاً ) .
    ويقول أيضاً في ابن المبارك رحمة الله : ( إني لأشتهي أن أكون من عمري كلِّه أن أكون سنة مثل ابن المبارك ؛ فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام ) .

    وقال علي بن زيد : حدثني عبدالرحمن بن أبي جميل قال : ( كنا حول ابن المبارك بمكة , فقلنا له : يا عالم الشرق حدثنا ـ وسفيان قريب منا يسمع ـ فقال : ويْحَكُم ! عالم المشرق و المغرب وما بينهم ) .

    فها هم أفاضل السلف يشهد بعضهم لبعض , ويُثني بعضهم على بعض دونما تحرج أو غضاضة ؛ فماذا كان النتيجة ؟ لقد رفعهم الله جميعاً ؛ وربما كان إعجابنا بالشاهد المادح أعظم من إعجابنا بالمشهود له الممدوح ؛ لأن شهادته لِقِرْنِهِ تدل على ساحة طاهرة , ونفس زكية .

    وهذا مما يرقى بالذوق , ويسمو بالهمم , ويرتقي بالمشاعر , ويقضي على روح التشاحن و البغضاء .
    قيل لأعرابي : ( من أكرم الناس عِشرة ؟ قال : من إذا قرب منح , وإذا بعد مَدَح , وإن ضويق فسح , فمن ظفر به فقد أفلح ونجح ) .
    من ما ينبغي التنبيه عليه مراعاة الفرق بين المديح المنضبط المعتدل الصادق , وبين الإطراء الكاذب الممقوت ؛ كمن يقول في ممدوحه :

    ما شــــئت لا ما شــــاءت الأقــــدار فــــاحكم فأنـــــت الواحــــــد القهـــــــار


    وكحال من يقول لما حصل زلزال في مصر في أحد السلاطين :

    ما زُلْزِلت مصر من كيد يراد بها لكنها رقصت من عدله طربا


    وكذلك ينبغي مراعاة التوازن في المديح ؛ لأن من الناس من يزيده المديح إقبالاً وجداً ، وفضلاً ونبلاً ، ومنهم من يبعث فيه المديح غروراً ، وطيشاً ، وتيهاً ، وعتواً ، ونفوراً .

    وهذا راجع إلى حكمة الإنسان , ومعرفة طبائع النفوس ، وربما كان الفصل بينهما رهينَ كلمة مدح مقدرة أو مبالغ فيها .
    وبناءً على ما مضى كله ؛ فلماذا لا نأخذ بهذه الطريقة الحكيمة النبيلة ؟ لماذا لا نأخذ بها إذا وقفنا أمام الناس لنعظهم ؛ فنبدأ بالثناء عليهم ثناءً متزناً ؛ كي نهيئ نفوسهم لقبول ما نقول ؛ إذ لا شيء يهز أعطافهم كالثناء عليهم خصوصاً إذا كان من غريب ؟
    وما الذي يضيرنا إذا رأينا إنساناً محافظاً على الصلاة , أو براً بوالديه , أو واصلاً لأرحامه , أو متودداً لجيرانه أن نذكره بعظم هذا العمل , وأن نشكره عليه , ونوصيه بالاستمرار على ذلك ؟

    وما الذي يمنعنا إذا رأينا من أحد طلابنا جداً و نشاطاً و أدباً أن نشعره بالرضا و الفرح , و الدعاء ؟

    وما الذي يمنعنا إذا رأينا معلماً مخلصاً في عمله , حريصاً على طلابه أن نَشُدَّ على يده , أن نشكره على إخلاصه و حرصه ؟ بدلا من تخذيله , وإشعاره بأنه إنسان ساذَج يقوم بأكثر مما طلب منه .

    وما الذي يضيرنا إذا رأينا خطيباً مصقعاً يهز أعواد المنابر , ويحترم عقول المخاطبين , ويحرص على تحرير خطبه , وإلقائها في أثواب ملائمة أن نشكر له صنيعه , ونشعره باستفادتنا منه , وتقديرنا له ؟

    وما الذي يضيرنا إذا رأينا أو سمعنا عن طبيب حاذق يتمتع بخلق فاضل , وصبر على مراجعيه , وحرص على سلامتهم و عافيتهم أن نبدي له إعجابنا و شكرنا و دعاءنا ؟

    وما الذي يلجم أفواهنا أو أقلامنا أن تشكر صحفياً أو كاتباً على حبه للفضيلة , ودفاعه عنها ؟

    ولماذا لا نزجي الشكر والثناء لمسؤول أصدر قراراً فيه نفع للمسلمين , أو فيه فتح لباب خير , أو إغلاق لباب شر ؟

    ولماذا لا نعتاد تقديم الثناء , و الشكر لمن أسدى إلينا معروفاً ولو قَلَّ ؟

    قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صنع إليكم معروفاً فكافؤوه فإن لم تجدوا ما تكافؤونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه )

    وقال عليه الصلاة والسلام : ( من صُنع إليه معروفٌ , فقال لفاعله : جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء ) .

    يقول سفيان الثوري رحمه الله : ( إني لأريد شرب الماء , فيسبقني الرجل إلى الشربة , فيسقينيها ؛ فكأنما دقَّ ضلعاً من أضلاعي لا أقدر على مكافأة لفعله ) .

    وقال أبو هاشم الحراني : ( من طباع الكريم وسجاياه رعاية اللقاءة الواحدة , وشكر الكلمة الحسنة الطيبة , و المكافأة بجزيل الفائدة ) .
    وبالجملة فباب الثناء و الشكر باب واسع لمن أحسن الدخول فيه , ومسلك جميل للتعبير عن المشاعر , والحفاظ على روح الود , والنهوض بالهمم .

    وإن الذي يُلحظ في أحوال بعضنا أنه لا يحفل بهذا المسلك الرشيد , مع أنه سهل ميسور , محمود العواقب , كثير العوائد .
    بل إننا مستعدون للنقد , و المجادلة , و الرد أكثر من إستعدادنا للشكر و الثناء الصادق مع أن الثناء الصادق مقتضى العدلِ , بل و الإحسانِ .

    والعاقل لا يعدم خصلة خير ينفذ من خلالها إلى قلب من يريد هدايته , أو كسبه , أو تقليل شره , أو زيادة خيره .
    بل إن المبادرة بالنقد , و النظر إلى زاوية الخلل ـ إبتداءً ـ قد يكون سبباً لرد الحق , و ذريعة للتمادي في الباطل ؛ فلو أنك بادرت شخصاً بالنقد و الثلب لربما أراك أو أسمعك من سوئه ما لم يكن في حسبانك و لسان حاله يُنشد :

    ………………………….. أنا الغريق فما خوفي من البلل



    من كتاب ارتسامات في بناء الذات للشيخ د . محمد الحمد

  • Font Size
    #2
    رد: الثناء الصادق ـ تأملات

    كلام جميل اخت تاتي .. أعظم الثناء الا وهو الثناء بين أصحاب رسول الله وصحابته والمبشرين بالجنة .. فذاك هو الثناء الصادق والمراد الوصول اليه في عصرنا الحالي . والسؤال الذي يطرح نفسه؟؟ هل بالإمكان لقدواتنا في الحياة بأن يمتثلو لهذا الثناء الصادق. لا اعتقد . ولكن وجب العمل به قدر المستطاع .. شكرا لموضوع وجزاك الله كل الخير.. احترامي وتقديري.

    تعليق


    • Font Size
      #3
      رد: الثناء الصادق ـ تأملات

      المشاركة الأصلية بواسطة أبوشهد مشاهدة المشاركة
      كلام جميل اخت تاتي .. أعظم الثناء الا وهو الثناء بين أصحاب رسول الله وصحابته والمبشرين بالجنة .. فذاك هو الثناء الصادق والمراد الوصول اليه في عصرنا الحالي . والسؤال الذي يطرح نفسه؟؟ هل بالإمكان لقدواتنا في الحياة بأن يمتثلو لهذا الثناء الصادق. لا اعتقد . ولكن وجب العمل به قدر المستطاع .. شكرا لموضوع وجزاك الله كل الخير.. احترامي وتقديري.
      شكراً لك ابو شهد

      وجزانا الله وإياك

      تعليق

      Loading...


      يعمل...
      X