العلاقة بين العقل والجسد
عندما عدت إلى عمان بعد أن أمضيت تسعة أشهر في بريطانيا للعلاج، وبدأت محاولاتي الأولى للاندماج في المجتمع.. أي الالتقاء بالأصدقاء، والذهاب إلى الأماكن العامة، كنت أدرك أن تفاعل الآخر معي بشخصية وضعي الصحي الجديد، بعد أن فقدت القدرة على الحركة، يتطلب جهدا عسيرا لإقناعه أني ما زلت نفس الشخص الذي كنت عليه قبل سنة.
كانت الأسئلة محيرة، وكانت كثيرة عن طبيعة شخصيتي.. عن من أنا، ولماذا أسعى إلى التواصل مع المجتمع؟ وكيف سـيتفاعل أفراد المجتمع معي بوضعي الجديد؟ وكيف سأتعامل مع البيئة الاجتماعية والمادية المحيطة، وكيف بوسعي تجاوز معوقاتها بأقل ضرر ممكن؟
ولعل السؤال الأهم: هل الحياة تستحق أن تعاش بذلك الوضع الصحي؟
كان القرار بشأن ما أريده من الحياة وما استطيع الحصول عليه في إطار الشروط التي تفرضها الإعاقة يعود إليّ أولا.. وان كان هناك أشخاص لولا وجودهم وحبهم لما استطعت قطع هذا الشوط الطويل من الصراع اليومي مع الإعاقة .
لا شك أن البداية، على غرار أشياء كثيرة في الحياة، دائما صعبة، وتحتاج إلى قرار حاسم والتزام لا يفتر يذلل المصاعب ويفتح آفاقاً رحبة تتيح للإنسان اقتناص ما يمكنه من الحياة. فإما قبول الكارثة وامتصاص صَدْمَتها المُدَوِّيةوالإقبال على الحياة باستعداد على التكيف معها وتكييف بعض جوانبها، وإما رفض الواقع محاولا البحث عن خلاص يفاقم نتائج الإصابة ويضاعف من الآلام والمعاناة، فيسرع الخطى بالجسد نحو الحتف.. النهاية. لقد اتخذت القرار.. قرار أن أحيا، وكان ذلك يتطلب تأسيس قاعدة تقوم عليها العلاقة بين العقل والجسد!
وليس غريبا أن يسأل من تعرضت حياته لكارثة قلبت موازينها رأسا على عقب.. شتت أحلامه.. بعثرت آماله.. فجرت في داخله صدمةً فجائعية أخلت بالنفس والقناعات والإيمان على نحو لم تفعله أية أزمة أخرى في حياته من قبل، ولعلها تتجاوز صدمة الموت نفسه: "لماذا حدث هذا لي أنا؟".
وبغض النظر عن الاستنتاج الذي سيخلص إليه المرء بعد طرح هذا السؤال على نفسه، وسـواء أجاب على كل التساؤلات التي تتداعى خلال محاولته للإجابة على ذلك السؤال أم لا، فإنه يجب الوصول إلى قناعة واحدة ولا شيء غيرها: النظر إلى الأمام.. إلى المستقبل أيا كانت التوقعات والافتراضات. فمهما بدا المستقبل مظلما، إلا أنه آت لا محالة.. آت بآلامه، وأحزانه، وربما بآماله وأفراحه. قد يحمل كل ذلك أو بعضا منه، وقد يأتي بما لا يُتوقع، لكن لا مناص من مواجهته والتعامل مع تبعاته وتداعياته.. خيرا كانت أم شرا.
قد لا يتفق معي كثيرون حين أقول إن هناك جانبا إيجابيا يمكن أن يتمخض عن كارثة بهذا الحجم، فالحياة يمكن أن تكون أكثر غناءً وثراء متى توفرت القناعة بأهمية الحياة نفسها والعمل على الاستفادة من كل ما يستطيع المرء انتزاعه منها.
لا أحد يختار بمحض إرادته أن يصبح معاقا.. أن يبدو مختلفا في تركيبه الجسدي، لكن، وعلى غرار معظم الأشياء في الحياة هناك وجه آخر للعملة. وأنا أبحث دائما عن الوجه الآخر للشيء لعلي أجد فيه ما لم أجده في الوجه الأول!
وإن كنت تخطيت الإعاقة وتصالحت مع تبعاتها ووظفت شيئا منها لإيجاد حياة أخرى.. كيان آخر، عندئذ غدت الثقة التي منحتني إياها الإعاقة نفسها ذات شكل مختلف تستحق التوقف عندها.
عندما عدت إلى عمان بعد أن أمضيت تسعة أشهر في بريطانيا للعلاج، وبدأت محاولاتي الأولى للاندماج في المجتمع.. أي الالتقاء بالأصدقاء، والذهاب إلى الأماكن العامة، كنت أدرك أن تفاعل الآخر معي بشخصية وضعي الصحي الجديد، بعد أن فقدت القدرة على الحركة، يتطلب جهدا عسيرا لإقناعه أني ما زلت نفس الشخص الذي كنت عليه قبل سنة.
كانت الأسئلة محيرة، وكانت كثيرة عن طبيعة شخصيتي.. عن من أنا، ولماذا أسعى إلى التواصل مع المجتمع؟ وكيف سـيتفاعل أفراد المجتمع معي بوضعي الجديد؟ وكيف سأتعامل مع البيئة الاجتماعية والمادية المحيطة، وكيف بوسعي تجاوز معوقاتها بأقل ضرر ممكن؟
ولعل السؤال الأهم: هل الحياة تستحق أن تعاش بذلك الوضع الصحي؟
كان القرار بشأن ما أريده من الحياة وما استطيع الحصول عليه في إطار الشروط التي تفرضها الإعاقة يعود إليّ أولا.. وان كان هناك أشخاص لولا وجودهم وحبهم لما استطعت قطع هذا الشوط الطويل من الصراع اليومي مع الإعاقة .
لا شك أن البداية، على غرار أشياء كثيرة في الحياة، دائما صعبة، وتحتاج إلى قرار حاسم والتزام لا يفتر يذلل المصاعب ويفتح آفاقاً رحبة تتيح للإنسان اقتناص ما يمكنه من الحياة. فإما قبول الكارثة وامتصاص صَدْمَتها المُدَوِّيةوالإقبال على الحياة باستعداد على التكيف معها وتكييف بعض جوانبها، وإما رفض الواقع محاولا البحث عن خلاص يفاقم نتائج الإصابة ويضاعف من الآلام والمعاناة، فيسرع الخطى بالجسد نحو الحتف.. النهاية. لقد اتخذت القرار.. قرار أن أحيا، وكان ذلك يتطلب تأسيس قاعدة تقوم عليها العلاقة بين العقل والجسد!
وليس غريبا أن يسأل من تعرضت حياته لكارثة قلبت موازينها رأسا على عقب.. شتت أحلامه.. بعثرت آماله.. فجرت في داخله صدمةً فجائعية أخلت بالنفس والقناعات والإيمان على نحو لم تفعله أية أزمة أخرى في حياته من قبل، ولعلها تتجاوز صدمة الموت نفسه: "لماذا حدث هذا لي أنا؟".
وبغض النظر عن الاستنتاج الذي سيخلص إليه المرء بعد طرح هذا السؤال على نفسه، وسـواء أجاب على كل التساؤلات التي تتداعى خلال محاولته للإجابة على ذلك السؤال أم لا، فإنه يجب الوصول إلى قناعة واحدة ولا شيء غيرها: النظر إلى الأمام.. إلى المستقبل أيا كانت التوقعات والافتراضات. فمهما بدا المستقبل مظلما، إلا أنه آت لا محالة.. آت بآلامه، وأحزانه، وربما بآماله وأفراحه. قد يحمل كل ذلك أو بعضا منه، وقد يأتي بما لا يُتوقع، لكن لا مناص من مواجهته والتعامل مع تبعاته وتداعياته.. خيرا كانت أم شرا.
قد لا يتفق معي كثيرون حين أقول إن هناك جانبا إيجابيا يمكن أن يتمخض عن كارثة بهذا الحجم، فالحياة يمكن أن تكون أكثر غناءً وثراء متى توفرت القناعة بأهمية الحياة نفسها والعمل على الاستفادة من كل ما يستطيع المرء انتزاعه منها.
لا أحد يختار بمحض إرادته أن يصبح معاقا.. أن يبدو مختلفا في تركيبه الجسدي، لكن، وعلى غرار معظم الأشياء في الحياة هناك وجه آخر للعملة. وأنا أبحث دائما عن الوجه الآخر للشيء لعلي أجد فيه ما لم أجده في الوجه الأول!
وإن كنت تخطيت الإعاقة وتصالحت مع تبعاتها ووظفت شيئا منها لإيجاد حياة أخرى.. كيان آخر، عندئذ غدت الثقة التي منحتني إياها الإعاقة نفسها ذات شكل مختلف تستحق التوقف عندها.
تعليق