ما بعد الليلة الأخيرة " فاروق جويدة " سنة 1990
وقلنا كثيرا
وكان المساء حزينا حزينا
وطافت على الصمت
كل الحكايا
سنين تخفت وراء السنين
ومازال قلبى طفلا بريئا
يحدق فيك
ويحبو اليك
كأنى على الامس ماتت خطايا
تغيرت الارض فى كل شىء
ومازلت أنت
نقوشا على العمر
وشما على القلب
ضوءا على العين
مازلت أنت بكارة عمرى
شذا من صبايا
رأينا الليالى على راحتينا
رمادا من الشوق
طيفا بعيدا
يثور ويهدأ
بين الحنايا
فعطرك هذا الذى كان يأتي
ويسرق نومي
وشعرك هذا الذى كان يهفو
ويسفك دمي
وصوتك هذا الذى كان يخبو
فأشقى بهمى
وقلنا كثيرا
واحسست أن الزمان
الذى ضاع منا
تجمع في العين حبات دمع
وأصبح نهرا من الحزن يجري
يسد الطريق
وأن الدموع التي في المأقي
غدت فى عيونك أطياف ضوء
وصارت بفلبي
بقايا حريق
أكاد أعانق عينيك شوقا
وأنت أمامى
وبيني وبينك
درب طويل
وخلف المسافات
جرح عميق
وأحسست أنى لأول يوم
رجعت أردد بعض الحروف
وعاد لساني يحبو قليلا
وينطق شيئا
فمنذ سنين
نسيت الكلام
وقلنا كثيرا
وأحسست أنك حين ذهبتِ
أخذت من العمر كل البريق
فلم يبق في العمر غير الصدأ
وأن دمي تاه بين العروق
وخاصم نبضى
وماذا سيفعل نبض غريق
وأحسست أنك يوم ارتحلتِ
أخذت مفاتيح قلبي
فما عاد يهفو لطيف سواك
وما عاد يسمع الا نداك
وأنك حين أرتحلتِ
سرقت تعويذة عمري
فصار مباحا
وصار مشاعا
وأني بعدك بعت الليالى
وفى كل يوم يدور المزاد
أبيع الحنين
أبيع السنين
وأرجع وحدي
وبعضي رماد
وأنى أصبحت طفلا صغيرا تشرد عمرا
وصار لقيط على كل بيت
وصار مشاعا على كل صدر
وصار خطيئة عمر جبان
وأحسست اني
تعلمت بعدك
زيف الحديث وزيف المشاعر
تساوت على العين كل الوجوه
وكل العيون
تساوى على العين لون الوفاء
وزيف النقاء
ودم الضحايا
تساوت على القلب كل الحكايا
فما عدت أعرف عطر الحلال
وعطر البغايا
وقلنا كثيرا
وعدت افتش فى مقلتيك
وألقي رحالي على شاطئيك
وأبحرت
أبحرت فى مقلتيك
لعلي أرى خلف هذى الشواطىء
وجهى القديم الذى ضاع مني
وفتشت عنه السنين الطوال
لقد ضاع منى منذ ارتحلت
رأيتك وجهى الذى ضاع يوما
بنفس الملامح
نفس البراءة
نفس السؤال
وقلنا كثيرا
وعند الصباح
رأيتك فى الضوء
ذرات شوق أبت أن تضيع
لمحتك فى الصبح أيام طهر
تراجع فيها نداء الخطايا
وزهرة عمر أبت أن تزف لغير الربيع
فمازلت أنت الزمن الجميل
وكان الوداع هو المستحيل
وكان الوداع هو المستحيل
فمازلت أنت الزمن الجميل
وكان الوداع هو المستحيل
وكان الوداع هو المستحيل
تعليق