الاحصائيات المتقدمة

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وجهات نظر عراقية لأولمبياد المعاقين لندن 2012

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Font Size
    #1

    وجهات نظر عراقية لأولمبياد المعاقين لندن 2012

    أولمبياد المعاقين رياضة الأمل البشري

    تاريخ النشر: الخميس 30 أغسطس 2012

    يتقوّس حاجبا "ذكرى زكي" فوق عينيها السومريتين الوسيعتين، وتزُمّ شفتيها كما لو كانت تصرخ وترفع 56 كيلوجراماً دفعة واحدة. "ذكرى" رافعة أثقال عراقية مرشحة للميدالية الذهبية في أولمبياد المعاقين الذي يبدأ اليوم في لندن، وهي واحدة من ست أفضل رافعات أثقال معاقات في العالم، جاء ترتيبها الخامسة في أولمبياد بكين عام 2008، وهدفها منذ بكين الحصول على الذهبية في لندن "حتى يفخر بلدي العراق". ويساهم في أولمبياد المعوقين 21 متسابقاً من العراق، في رفع الأثقال، والسباحة، وكرة المنضدة، ورمي السهام، والتنس، وألعاب الساحة، والميدان. وينفرد العراق بين البلدان العربية بمشاركة فريق مبارزة معاقين يضم 4 لاعبات و4 لاعبين، يبارزون من فوق مقاعد ثابتة.
    وقد يفوز بالذهبية في سباحة 50 أو 100 متر السباح العراقي المغترب في أستراليا أحمد كيلي المولود بأطراف معوّقة. قصة أحمد وشقيقه المعوق مثله وأسرتهما التي لم يُعثر على أثر لها أوجعت قلوب الملايين، عندما ظهرا في برنامج "ماكس فاكتر" مع أمهما بالتبني الأسترالية ميرا كيلي التي وجدتهما بعد غزو العراق في ميتم المعاقين. وينصح أحمد المعاقين الشباب بممارسة الرياضة التي يحبونها، ويكونوا مستعدين للتمارين الشاقة في الصباحات المبكرة، والتدريب الشديد، واصطفاق الجسم بالماء. ويضيف "تحتاج إلى أن تكون قادراً للتمتع بالرياضة".




    ويتكون شعار "أولمبياد المعاقين" من ثلاثة قويسات، ألوانها حمراء وخضراء وزرقاء، وعبارة "الروح في الحركة". و"أولمبياد المعاقين" غير مرتبط تنظيمياً بالأولمبياد، إلا أنه يعقد بعده في مدينة واحدة. وتتكون كلمة مُعاق بالإنجليزية من كلمتين مدغمتين تعنيان غير قادر disabled. وتُكتب في بعض اليافطات كلمة "غير" بحرف صغير، و"قادر" بحرف كبير، وتعبر بذلك عن جدارة المعاقين الذين يستغربون الحديث عنهم كمعاقين، ويرون أنفسهم قادرين على القيام بكل شيء، وأحسن مما يقوم به غيرهم. ويواجه المعاقون السخرية بهم بروح النكتة، التي تُبدعُ في أولمبياد لندن مسرحيات وبرامج تلفزيونية، بينها مسرحية "المعاقون الظريفون بشكل غير طبيعي" في مسرح "سوهو" والبرنامج التلفزيوني "قابِلْ البشر المتفوقين" في القناة الرابعة طوال أيام الأولمبياد الإثني عشر.ويحمل كل متسابق رقمين يؤشران إلى نوع عَوَقه، والمسابقة التي يشارك فيها. وأشهر المتسابقين "العدّاء النصلي" من جنوب أفريقيا أوسكار بستوريوس، الذي يهرول على قدمين صناعيتين كالنصل، وبلغت قدراته حدّ اختياره ضمن المنتخب الوطني في أولمبياد لندن الشهر الماضي. وإذا كانت كل رياضة امتحاناً للبدن والروح فرياضة المُعاقين هي الرياضة القصوى. إنهم لا يمثلون أفضل ما في الروح الأولمبية فحسب، بل ما في النفس البشرية، فكل واحد منهم تقبّل كل سوء حظ، وتعلم كيف يتلاءم معه، ويتفوق عليه. وتبلغ روح النكتة المُعاقة، إذا صحّ التعبير مستويات أولمبية فابتكرت ألعاباً مدهشة للاعبين العميان، بينها لعبة الكرة التي تحتوي أجراساً داخلها يرصدها اللاعبون بالسمع، ويركلونها حتى الهدف، ولعبة كرة القدم للمصابين بالشلل الارتجافي، التي ألغيت فيها قواعد الكرة الاعتيادية، كتخطي الساحة، وتتيح للمتسابق استخدام كل جسمه في اللعب. وعدد اللاعبين في لعبة القدم للمعاقين ستة، ومساحة الملعب صغيرة، والمرمى على عرض الملعب 9 أمتار. وأصل اللعبة عمليات تأهيل المعاقين الألمان بعد الحرب العالمية الثانية.
    وتتميز الفرق العربية في أولمبياد المعاقين بالقوة مقارنة مع الأولمبياد الاعتيادي، حيث كانت مشاركة الفلسطينيين رمزية، في حين يشارك عن فلسطين في أولمبياد المعاقين لاعبون أشدّاء، بينهم بطل رمي الكرة الحديدية خميس زقوت، وهو عامل بناء من غزة فقد ساقيه إثر حادث في موقع البناء، ومحمد فنـّونه المصاب بضعف البصر، ونال في الوثب الطويل الميدالية البرونزية في "أولمبياد أثينا" 2004 ، وميداليتين ذهبيتين، وميدالية فضية في الأولمبياد العربي في الدوحة العام الماضي. ولم يحصل المتسابقون الفلسطينيون على دعم من السلطة، وزحفوا دربهم إلى أولمبياد لندن، حسب زقوت (47) الذي يتطلع إلى الميدالية الذهبية، وكان قد سجل رقماً قياسياً 11,30 متر في الأولمبياد الآسيوي العام الماضي. ولا يجد زقوت، وهو أب لـ9 أطفال مكاناً يتدرب فيه سوى متنزه عام في غزّة، ورداؤه الرياضي قديم بالٍ خلافاً لأردية المتسابقين من أحدث طراز، ويشد ساقه الاصطناعية على كرسيه المدولب ويتأرجح بجسمه ثلاث مرات قبل أن يقذف الكرة الحديدية.
    وعدد المتسابقين من الجنسين 4200 ويلاحظ ارتفاع مساهمة النساء المعاقات بسرعة مدهشة، حيث يبلغ عددهن 1513 امرأة، ويعادل هذا ضعفي المشاركات في أولمبياد برشلونة عام 1992. ويلعب نجوم الرياضة المعاقون دوراً مؤثراً في الدفاع عن حقوق عامة المعاقين الذين يواجهون مصاعب شاقة في حياتهم اليومية، ويعانون من التمييز في فرص العمل والحياة الاجتماعية، حتى في بلدان متقدمة مثل بريطانيا. ووضع معاقي العراق مفجع، حيث يبلغ عددهم بسبب الحروب والحصار أكثر من مليونين، حسب تقرير منظمة "فيلق الرحمة" الأميركية، ولم تنشأ كما في البلدان المتقدمة اتحادات وجمعيات قوية وجماعات ضغط تدافع عن حقوقهم. وللمعاقين شهداء كما في جميع ميادين الحياة العراقية. قاسم مطر، بطل لعبة كرة القدم للعميان، دهسته دبابة أميركية، خلال عبوره الشارع، ذكرت ذلك "نيويورك تايمز". والعراق هو البلد الوحيد في تاريخ الحركة الأولمبية العالمية، الذي اختطفت فيه اللجنة الأولمبية الوطنية مع رئيسها أحمد الحجية، ورئيس لجنة الرياضيين الأولمبية حسن بحرية، ولم يعثر على أثر لهم منذ عام 2006. وتحطم القلب حملة "منظمة الصليب الأحمر الدولية" لجمع تبرعات لمعاقي العراق. فهذا البلد الذي نهب الغزو والفساد والعقوبات الدولية مليارات ثرواته تستجدي له المنظمة عكازات، وأطرافاً صناعية، وكراسي مدولبة، ونظارات، وأدوات سمعية، ودورات تدريبية.
    وسأهتف في الأولمبياد للمعوقين الفلسطينيين، والعراقيين، والعرب، والمسلمين حسب التسلسل، وفي آخر القائمة للأميركيين والبريطانيين، لكن أنحاز في سباق رمي الكرة الخشبية إلى المتسابقة البريطانية "جَسْ هنتر" (20) لأن جمالها الآسر، وهي تصارع عوَقها يكتم الأنفاس. وُلدت جَسْ بشلل ارتجافي، لا تملك معه إلا أقل سيطرة على أطرافها، فهي عاجزة عن الحركة، وارتداء الملابس، والنطق. ويوجع القلب ارتعاد جسمها وأطرافها ورأسها، وهي تقذف الكرة الخشبية. إنها الجمال الذي يقول عنه الأديب الروسي دستوييفسكي "الشيء الفظيع في الجمال هو الإبهام والترويع في آن. كما لو أن القدرة الإلهية تصارع الشيطان، وميدان المعركة قلب الإنسان". ولن أبكي عندما أشاهد جَسْ وذكرى وأحمد وخميس وغيرهم من المعاقين يصارعون عوَقهم، بل أفرح وأضحك، ليس على عدم براعتهم، بل على خراقة الطبيعة، التي تعجز عن تحطيم الإنسان حتى عندما تغلبه. أولمبياد المعاقين رياضة الأمل البشري.


    الكاتب : محمد عارف
Loading...


يعمل...
X