مكفوفو «النور» يجتاحون مضامير نادي الفروسية بخيولهم في أول برنامج من نوعه
كتب ـ حبشي رشدي
ما كان من أحلام الظل المزمن الذي يعيشون فيه أن يمتطوا صهوة جواد، لذا أضافت لهم الشراكة بين معهد النور ونادي الفروسية لتدريب مكفوفين على ركوب الخيل ما يوهج في أعماقهم كل المباهج المعطلة، فقيل لهم: سوف تتدربون على ركوب الخيل، لا تخشونه، انه أليف وصديق وسيدرك من هم فرسانه الذين يمتطونه فلن يكون معهم كما مع المبصرين ثم إن لسنابكه إيقاعات يمكنكم أن تتلوا عليها أناشيدكم.
هم تعودوا الركض في رمداء الأماكن الفسيحة دون جواد، بل إن الجواد المفضل كان الخيال المسافر، والآن يأتيهم الخيال بجواد.
طلاب وطالبات معهد النور للمكفوفين ـ إذن ـ أمام تجربة جديدة تم وضع لبناتها الأولى ، وتقول د. حياة خليل نظر مديرة المعهد أنها تجربة ستتحول إلى مشروع غني بالعوائد والنتائج وسيتم تطويرها تدريجيا فبعد اليوم لن تكون رياضة ركوب الخيل قصراً على المبصرين والأصحاء.
تأملت د. حياة خليل نظر، وهي تتحدث بشغف وبهجة عن هذا الجديد الذي سيتعلمه ويتدرب عليه طلاب وطالبات معهد النور، وفي الذاكرة الرياضيات الثلاث التي نصح بها ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب في قولته الشهيرة «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل».
والسباحة كانت الممكن المنطقي من ثلاثتها للمكفوفين ولكن د. حياة خليل نظر أضافت ركوب الخيل وقد يأتي يوم تفاجئني فيه بأن رياضة الرماية لم تعد مستحيلة لطلابها وطالباتها.
فما هي جدوى تعليم المكفوفين ركوب الخيل؟ وما الممكن والصعب في التدريب على هذه الرياضة؟ وما الذي تضيفه هذه الرياضة من علاج لأمراض.
كنت لاحتاج ان اسأل د. حياة خليل نظر عن الكثير عن هذا المشروع، فقد كانت أفكارها مرتبة وإجاباتها عن أسئلة لم تدعني أسألها، جاهزة، وفيما يلي التفاصيل:
د. حياة خليل نظر مديرة معهد النور للمكفوفين ليست كأي مديرة أنها شعلة نشاط واللافت في شخصيات الإدارية أنها تتزعم بكل الوسائل النصرة على كل أسباب عجز هذه الإعاقة.
دهشت من فكرة أن يتدرب المكفوفون على ركوب الخيل لم اصدق حينما قالت لي: جديدنا مشروع سنوفق فيه بإذن الله تعالى حيث سندرب بعض طلابنا وطالباتنا على ركوب الخيل.
بالطبع لم تر فما فاغرا دهشة بما قالت ولكنها استطردت: سوف يذهب بعض طلابنا وطالباتنا إلى نادي الفروسية يوما من كل أسبوع للتدرب على هذه الرياضة واخطط لزيادة جرعة التدريب إلى يومين مثلما اخطط لزيادة عدد المتدربين والمتدربات. قلت لها مدهوشا: فروسية، وركوب خيل للمكفوفين فأجابت: ألا تعرف أن ركوب الخيل من الطرق العلاجية المهمة في تأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. فلم أشأ سوق إجابة يتبين فيها جهلا فادحا بأمور هي أكثر دراية بها ولكني اكتفيت بالتساؤل: وهل سيكون المكفوفون من بين فئات ذوي الاحتياجات الخاصة الذين سيعالجهم ركوب الخيل.
فأجابت: المكفوفون أناس عيونهم في آذانهم وأطراف أصابعهم وخيالهم ومن ثلاثتهم تتكون بصيرة وأيضا من ذكائهم يتم ترشيد هذه الحواس في أي مهمة، وأضافت شارحة: سوف ابسط لك المسألة التي أعتقد أنك تستغربها وأظنك سوف تتفهم وتقتنع فأخصائي العلاج الطبيعي في معهد النور للمكفوفين وأيضا في غيره من مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة يسخر حركات الحصان التي تتسم بالتكرار والانتظام وتعدد المحاور لتعين مناطق الخلل عند ذوي الاحتياجات الخاصة للتركيز على علاجها.
وعطفاً على ذلك قالت وهي على ثقة إنني أنصت باهتمام كبير، إن حركة الحصان قادرة على أحداث ردة فعل لحركة حوض الطفل تحاكي حركته في الأنماط الطبيعية لمشي الإنسان، وتستخدم حركة الحصان لتحسين الوظائف المتضررة عند الطفل وتؤثر إيجابا في القوام والتوازن والعمليات الحسية، وغيرها من الوظائف الأخرى التي تساعد بالتالي في رفع قدرات الطفل واستقلاليته.
آثرت إلا أكون متلقياً طوال الوقت فسألت: يمكننا أن نتفهم ذلك بالنسبة لكل الأطفال، ولكننا نتحدث عن مكفوفين سوف يمتطون صهوة جواد، وربما سوف يطلقون له العنان، أو ينغزون مواضع في بدنه يترجمها في حركة لا يقصدونها، بينما هو يؤتي بما تمثله هذه النغزة.
فأجابت د. حياة خليل نظر قاطعة شكاً متردداً بيقينها: لا.. في حقيقة الأمر يمكن الاستفادة من العلاج بركوب الخيل لأي طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من تحديات حركية، أو إدراكية أو عاطفية، ومنهم المكفوفون.
لماذا الحصان
تساءلت: ستوظفون الخيل في هذه المهمة، أما أمامكم رياضيات عديدة أخرى تصلح للمكفوفين بدلا من هذه الرياضة المحفوفة بالمخاطر؟
فابتسمت في عراك نظري مع أفكاري المتهيبة الأمر متسائلة: هل سبق لك امتطاء جواد؟
فأجبت بالنفي بعد أن قمت بتمشيط ذاكرتي سريعا منذ الطفولة وقلت لها: ولا حتى حمار!
وقتئذ قالت لي د.حياة خليل نظر وكأنها استمسكت على نقيصة: لو كنت ركبت حصانا من قبل فإنك ما كنت ستكون بهذا الحذر والمخاوف.
ثم استطردت: إن مشية الحصان تنقل الأحاسيس من خلال الحركة التي تتسم بتعدد محاورها وتكرارها المنتظم وتحاكي محصلة ردود الأفعال الحركية للطفل الذي يركب الحصان تلك التي يتحركها حوض الإنسان خلال المشي الطبيعي، وهكذا يقول أخصائيو العلاج الطبيعي من خلال خبراتهم وتوظيف هذه الخبرات في علاقة علاجية مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم المكفوفون، إذ أن تعدد أنماط المشي عند الحصان يمكن الأخصائي المعالج من التحكم بدرجة التنبيه الحسي للطفل ثم الاستفادة من حركة الحصان مع الطرق العلاجية الأخرى لتحقيق الأهداف المنشودة.
كما أضافت: إن الأطفال يتفاعلون بحماس مع هذه التجربة الممتعة في البيئة الطبيعية، ولهذا فإننا سنرسل طلابا وطالبات فصلين من فصول معهدنا إلى نادي الفروسية، للتدرب على ركوب الخيل في مروجه الواسعة، وعلى أيدي مدربين متخصصين وبحضور كوادر من معهد النور تضم مشرفين وأخصائيي العلاج الطبيعي، وسيكون التدريب على ركوب الخيل يوما في الأسبوع، ولكن مفاوضات ستبدأ يوم الأحد الموافق التاسع عشر من أكتوبر الجاري (اليوم) أولا لزيارة عدد الطلاب والطالبات المتدربين، وثانيا لزيادة مدة التدريب، من يوم واحد في الأسبوع إلى يومين، وربما تنتهي هذه المفاوضات إلى تطبيق هذا التعديل خلال الفصل الدراسي الثاني من هذا العام الدراسي.
من أين الفكرة
سألتها: ومن أين جاءتكم هذه الفكرة؟ ثم كيف تطابقت مع حقائق تذكرينها بكل ثقة؟ فقالت: يوجد لدينا أخصائيون للعلاج الطبيعي، هم أصحاب هذه الفكرة، وقد وجدتها لائقة وممكنه، لأن الإنسان عليه أن ينفتح على كل الأفكار، وان يستمع إليها بعقل مفتوح، وان يجري كل شيء، حتى لو بدأ لنا متعذرا، وقد دخلت في نقاش واسع مع أخصائيين للعلاج الطبيعي، وكنت ارغب من هذا النقاش، أن اعرف وأزيد معلوماتي، واطرح أسئلة تتعلق بكل التفاصيل، واستمعت إلى الإجابات، ولهذا قررت خوض التجربة، واتصلت بنادي الفروسية من خلال مسئولين بمعهد النور، ولقيت ترحيبا، وبدأ حوار تناولت فيه الكثير من التفاصيل، والهدف الأساسي، هو تأمين التدريب السليم والأمن.
ركوب الخيل والأمراض
واستطردت د. حياة خليل نظر: إن هناك العديد من الأمراض التي يعالجها ركوب الخيل، ومنها مثلا إصابات العمود الفقري والضعف في السمع والكلام والرؤية، والجلطات الدموية، وتلف الأغشية، ومشاكل الإدراك، وفقدان الأطراف، والشلل الدماغي، والتخلف العقلي، وسوء التصرف الناجم عن شرود الذهن، وبعض المشكلات المتعلقة بالكسور العظمية، ومن ذلك، وكما ترى، فإن ركوب الخيل رياضة مهمة جدا، أنها ممارسة جميلة جدا، ولربما إن ركوب المكفوفين الخيل، يسفر عن أشياء جيدة، أو علاقة مختلفة بينهم وبين الخيل، هذا الكائن الذي يتحدث عنه أدباء وشعراء بود ونبل وفروسية.
وأضافت: ثم إن هناك فؤائد عامة لركوب الخيل، تكمن في انه يحسن التوازن ويقوي العضلات، ويحسن التنسيق بين العضلات ويسرع الاستجابات، ويزيد سيطرة الدماغ على العضلات، كما يزيد السيطرة على وضعية الجسم، ويخفف التشنج، ويزيد من فاعلية حركة المفاصل، ويمدد العضلات القاسية والمتشنجة ويرخيها، ويزيد القدرة على التحمل.
ثم قدمت لي د . حياة خليل نظر أوراقا من على ملف كان على مكتبها قائلة: اقرأ هذه الأوراق لتعرف قيمة وأهمية تدريب المكفوفين على ركوب الخيل.
- فسألتها: هل يمكنني استعارتها لبعض الوقت؟ فقالت: أنها لك فهي أوراق للمبصرين، أما نحن المكفوفين فأوراقنا وقراءتنا بطريقة برايل.
- قرأت سريعا بعض ما في هذه الأوراق، فوجدتها لا تختلف إطلاقا عما قالته لي د. حياة خليل نظر.
سبقتني د. حياة خليل نظر إلى صفحة ما كنت قد بلغتها وأنا أتصفح سريعا هذه الأوراق فقالت لي: ستجد أيضا بهذه الأوراق، إن ركوب الخيل له فوائده النفسية والاجتماعية فهو يعزز الثقة بالنفس والسيطرة على العواطف ويطور القدرة على الصبر ويحسن قدرات تقدير المخاطر ويخفض مستوى الضغط الاجهادي ويقوي الشعور بالإنماء الاجتماعي، وأضافت د. حياة خليل نظر يجب ألا ننسى دور أخصائي العلاج الطبيعي الذي سيكون ضمن الفريق الذي يشرف على تدريب طلابنا بنادي الفروسية فأخصائي العلاج الطبيعي يعمل مع الأطفال لمساعدتهم في تحقيق طموحاتهم وتحقيق اكبر فائدة ومتعة ممكنة لهم، من خلال التقييم وأيضا من خلال وضع التمارين الخاصة والمساعدة في تنفيذها وتقديم الإرشادات لأفضل الأوضاع الممكنة لتحسين القوام والمساعدة في تخطيط البرنامج العلاجي، أما في التعليم والتدريب فهو يعمل مع مدربي الخيل والمساعدين من خلال طرق حمل ورفع الأطفال وارتقائهم صهوة الخيل ونزولهم عنها وكيفية التعامل معهم بطرق آمنة تحفظ احترامهم بأوضاع مناسبة لهم، كما سيقوم أيضا أخصائي العلاج الطبيعي بإعطاء طلابنا وطالباتنا معلومات عن حالاتهم والمحاذير الخاصة بهم، بالإضافة إلى إعطائهم معلومات عن المعينات التي قد يستخدمها الأطفال مثل الأجهزة المساعدة للمشي وبيان وشرح المحاذير الخاصة ببعض الحالات وموانع استخدامهم بعض حركات الحصان مهم.
كما سيقوم أخصائي العلاج الطبيعي بمساعدة مدرب الخيل في التمارين الخاصة ببعض الأطفال أما دوره كمعالج فهو يشمل اختيار الأطفال الممكن تدريبهم على ركوب الخيل من خلال تقييم يشمل فحص التوازن والقوة العضلية والخلل الحسي وإدراك علاقة الجسم بالفراغ المحيط به فيعرف ماذا تعني كلمة فوق وكلمة تحت وكلمة داخل وكلمة خارج واستخدام ذراعيه في تحديد الاتجاهات.
كما يقوم أخصائي العلاج الطبيعي بتقييم قدرة الطفل على فهم المعلومات والتعليمات الموجهة له من المدرب وإذا ما كان يعاني من مشاكل في النطق واللغة وإذا ما كان أيضا يعاني الخوف من الارتفاعات أو الحيوانات فكل ذلك يتم تقييمه وبحثه واستشعاره في الطفل وسيقوم أيضا اثنان من أخصائيي العلاج الطبيعي بمعهد النور للمكفوفين هما الأستاذ عمر عبد اللطيف والأستاذ منصور العتيق بتقييم ارتقاء الطفل على الحصان ووضع الطفل على المسرح وإمكانية التوازن على ظهر الحصان وأيضا تقييم الوعي والإحساس بوضع الجسم وردة فعل الطفل لحركة الحصان والتغير في التوتر الفعلي وحركة المفاصل.
د. حياة خليل نظر كانت تتحدث لي وأصابعها تتلمس أوراقا أمامها تقرأ بأطراف أصابعها المعاني وتقولي لي: إن هذا المشروع يجب ألا يشكل لك مفاجأة فهو تطور طبيعي لطموحاتنا لطلابنا. وحينما تتجاوز المألوف والمتعارف عليه إلى ما تراه مستحيلا سيكون من السهل واليسير علينا أن نتغلب على كل ما قبله من عقبات بسيطة.
وقالت لي وهي تضحك: كبّر طموحك.. لتعرف إن الصعوبة هي أن تتواضع الطموحات.
فقابلت ضحكتها .... بابتسامة أظنها أدركتها بحواسها المستنفرة وقلت: منكم نتعلم.. ولماذا لا؟
ولكني عدت إلى تساؤلاتي: هل سيقوم نادي الفروسية بانتخاب أنواع معينة من الأحصنة، وأيضا تجهيزات معينة تناسب تدريب المكفوفين؟
فقالت من فورها: هذا تطور طبيعي متوقع، فسيكون هناك سرج خاص وأيضا تجهيزات خاصة، ولا يخالجني شك إن المدربين والمسئولين في نادي الفروسية والذين ابدوا ترحيبا بالفكرة واستعدادا كبيرا للتعاون قد درسوا بما فيه الكفاية واعدوا كل شيء.
وأضافت: وحينما أقول لك إننا نخطط لزيادة عدد الطلاب والطالبات عن فصلين في التيرم الثاني، وأيضا نخطط لمضاعفة يوم التدريب إلى يومين في الأسبوع، بدل من يوم واحد، فذلك يعني ضمنيا إن كثيرا من هذه المسائل قد حسمت، وإلا لما فكرنا في مضاعفة أعداد الطلاب والطالبات ومدة التدريب.
وحينما سألتها: لابد أنكم حصلتم على موافقة أولياء أمور هؤلاء الطلاب قبل الشروع في تنفيذ المشروع؟ قالت من فورها: هذا تم بطبيعة الحال، فلا نبدأ أي مشروع أو تنفيذ أي فكرة إلا بعد الحصول على هذه الموافقة، بل إن الصور التي سنزودك بها لم نعطها لك إلا بعد موافقة أولياء أمور الطلاب والطالبات.
وهناك ثقة متبادلة بيننا وبين أولياء الأمور، وهناك علاقة تعاون فعال مستمرة بين الطرفين، ولهذا فسوف ترى هذا البرنامج قريبا على نطاق واسع. وقد ندعوك لزيارة نادي الفروسية لتلتقي بالطلاب والطالبات المتدربين. وحينما يحل موعد كهذا فلربما نطرح عليك مفاجآت أخرى تدهشك كما أدهشتك فكرة تدريب المكفوفين على رياضة ركوب الخيل.
اثر كل ما سمعته طرحت على د. حياة خليل سؤالا: هل في نيتك أن تركبي أنت أيضا الخيل لتكوني فارسة فرسانك؟
فأجابت ضاحكة: ليت وقتي يسمح فهذا يحتاج مني إلى تفرغ لا أستطيعه الآن. يكفي أن أطفالي سيكونون سعداء بهذا البرنامج، وما يسعدهم ويزيد من قدراتهم ويبهجهم سوف يسعدني تلقائيا ويبهجني.
تساؤلات
غادرت اللقاء مع د. حياة خليل نظر، وفي الذهن أفكار وخيالات وتساؤلات ومنها مثلا: هل سنرى مستقبلا إدراجا أكيدا لرياضة سباق الخيل للمكفوفين على قائمة رياضيات ذوي الاحتياجات الخاصة، وهل فرسان معهد النور سيكونون ذات يوم في مضاميرها يحسب لها الحساب؟ وهل اتسعت دائرة توسع المكفوفين على كل تفاصيل حياة المبصرين، والتي عدت لأزمنة طويلة متعذرة، بل ومستحيلة، فأصبحوا يستخدمون كل أعقد التفاصيل التقنية التي تعوضهم عن حالة مفقودة، فتحمل لهم الحياة، وتفتح أمامهم كل الأبواب الموصدة، وتتيح لهم كل الفرص المتعذرة؟
وهل إن الأحلام التي سوف تتراقص فرحا على إيقاعات سنابك الخيل، ما هي إلا مرحلة ستتلوها مراحل، وفكرة ستعقبها أفكار أكثر جرأة.
أصبح كل شيء ممكنا بل وسهلا ومتوقعا، لهذا فيجب ألا تصيب الفكر والخيال شيخوخة حتى لا يزول أصحابه إلى ركن تعس في هذه الحياة التي لا تحتفي بوجودنا فيها كما ينبغي، ومثلما ينتصر لها الذين تتألق أحلامهم طوال الوقت.
http://www.al-watan.com/data/2008101...p?val=local4_1
كتب ـ حبشي رشدي
ما كان من أحلام الظل المزمن الذي يعيشون فيه أن يمتطوا صهوة جواد، لذا أضافت لهم الشراكة بين معهد النور ونادي الفروسية لتدريب مكفوفين على ركوب الخيل ما يوهج في أعماقهم كل المباهج المعطلة، فقيل لهم: سوف تتدربون على ركوب الخيل، لا تخشونه، انه أليف وصديق وسيدرك من هم فرسانه الذين يمتطونه فلن يكون معهم كما مع المبصرين ثم إن لسنابكه إيقاعات يمكنكم أن تتلوا عليها أناشيدكم.
هم تعودوا الركض في رمداء الأماكن الفسيحة دون جواد، بل إن الجواد المفضل كان الخيال المسافر، والآن يأتيهم الخيال بجواد.
طلاب وطالبات معهد النور للمكفوفين ـ إذن ـ أمام تجربة جديدة تم وضع لبناتها الأولى ، وتقول د. حياة خليل نظر مديرة المعهد أنها تجربة ستتحول إلى مشروع غني بالعوائد والنتائج وسيتم تطويرها تدريجيا فبعد اليوم لن تكون رياضة ركوب الخيل قصراً على المبصرين والأصحاء.
تأملت د. حياة خليل نظر، وهي تتحدث بشغف وبهجة عن هذا الجديد الذي سيتعلمه ويتدرب عليه طلاب وطالبات معهد النور، وفي الذاكرة الرياضيات الثلاث التي نصح بها ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب في قولته الشهيرة «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل».
والسباحة كانت الممكن المنطقي من ثلاثتها للمكفوفين ولكن د. حياة خليل نظر أضافت ركوب الخيل وقد يأتي يوم تفاجئني فيه بأن رياضة الرماية لم تعد مستحيلة لطلابها وطالباتها.
فما هي جدوى تعليم المكفوفين ركوب الخيل؟ وما الممكن والصعب في التدريب على هذه الرياضة؟ وما الذي تضيفه هذه الرياضة من علاج لأمراض.
كنت لاحتاج ان اسأل د. حياة خليل نظر عن الكثير عن هذا المشروع، فقد كانت أفكارها مرتبة وإجاباتها عن أسئلة لم تدعني أسألها، جاهزة، وفيما يلي التفاصيل:
د. حياة خليل نظر مديرة معهد النور للمكفوفين ليست كأي مديرة أنها شعلة نشاط واللافت في شخصيات الإدارية أنها تتزعم بكل الوسائل النصرة على كل أسباب عجز هذه الإعاقة.
دهشت من فكرة أن يتدرب المكفوفون على ركوب الخيل لم اصدق حينما قالت لي: جديدنا مشروع سنوفق فيه بإذن الله تعالى حيث سندرب بعض طلابنا وطالباتنا على ركوب الخيل.
بالطبع لم تر فما فاغرا دهشة بما قالت ولكنها استطردت: سوف يذهب بعض طلابنا وطالباتنا إلى نادي الفروسية يوما من كل أسبوع للتدرب على هذه الرياضة واخطط لزيادة جرعة التدريب إلى يومين مثلما اخطط لزيادة عدد المتدربين والمتدربات. قلت لها مدهوشا: فروسية، وركوب خيل للمكفوفين فأجابت: ألا تعرف أن ركوب الخيل من الطرق العلاجية المهمة في تأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. فلم أشأ سوق إجابة يتبين فيها جهلا فادحا بأمور هي أكثر دراية بها ولكني اكتفيت بالتساؤل: وهل سيكون المكفوفون من بين فئات ذوي الاحتياجات الخاصة الذين سيعالجهم ركوب الخيل.
فأجابت: المكفوفون أناس عيونهم في آذانهم وأطراف أصابعهم وخيالهم ومن ثلاثتهم تتكون بصيرة وأيضا من ذكائهم يتم ترشيد هذه الحواس في أي مهمة، وأضافت شارحة: سوف ابسط لك المسألة التي أعتقد أنك تستغربها وأظنك سوف تتفهم وتقتنع فأخصائي العلاج الطبيعي في معهد النور للمكفوفين وأيضا في غيره من مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة يسخر حركات الحصان التي تتسم بالتكرار والانتظام وتعدد المحاور لتعين مناطق الخلل عند ذوي الاحتياجات الخاصة للتركيز على علاجها.
وعطفاً على ذلك قالت وهي على ثقة إنني أنصت باهتمام كبير، إن حركة الحصان قادرة على أحداث ردة فعل لحركة حوض الطفل تحاكي حركته في الأنماط الطبيعية لمشي الإنسان، وتستخدم حركة الحصان لتحسين الوظائف المتضررة عند الطفل وتؤثر إيجابا في القوام والتوازن والعمليات الحسية، وغيرها من الوظائف الأخرى التي تساعد بالتالي في رفع قدرات الطفل واستقلاليته.
آثرت إلا أكون متلقياً طوال الوقت فسألت: يمكننا أن نتفهم ذلك بالنسبة لكل الأطفال، ولكننا نتحدث عن مكفوفين سوف يمتطون صهوة جواد، وربما سوف يطلقون له العنان، أو ينغزون مواضع في بدنه يترجمها في حركة لا يقصدونها، بينما هو يؤتي بما تمثله هذه النغزة.
فأجابت د. حياة خليل نظر قاطعة شكاً متردداً بيقينها: لا.. في حقيقة الأمر يمكن الاستفادة من العلاج بركوب الخيل لأي طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من تحديات حركية، أو إدراكية أو عاطفية، ومنهم المكفوفون.
لماذا الحصان
تساءلت: ستوظفون الخيل في هذه المهمة، أما أمامكم رياضيات عديدة أخرى تصلح للمكفوفين بدلا من هذه الرياضة المحفوفة بالمخاطر؟
فابتسمت في عراك نظري مع أفكاري المتهيبة الأمر متسائلة: هل سبق لك امتطاء جواد؟
فأجبت بالنفي بعد أن قمت بتمشيط ذاكرتي سريعا منذ الطفولة وقلت لها: ولا حتى حمار!
وقتئذ قالت لي د.حياة خليل نظر وكأنها استمسكت على نقيصة: لو كنت ركبت حصانا من قبل فإنك ما كنت ستكون بهذا الحذر والمخاوف.
ثم استطردت: إن مشية الحصان تنقل الأحاسيس من خلال الحركة التي تتسم بتعدد محاورها وتكرارها المنتظم وتحاكي محصلة ردود الأفعال الحركية للطفل الذي يركب الحصان تلك التي يتحركها حوض الإنسان خلال المشي الطبيعي، وهكذا يقول أخصائيو العلاج الطبيعي من خلال خبراتهم وتوظيف هذه الخبرات في علاقة علاجية مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم المكفوفون، إذ أن تعدد أنماط المشي عند الحصان يمكن الأخصائي المعالج من التحكم بدرجة التنبيه الحسي للطفل ثم الاستفادة من حركة الحصان مع الطرق العلاجية الأخرى لتحقيق الأهداف المنشودة.
كما أضافت: إن الأطفال يتفاعلون بحماس مع هذه التجربة الممتعة في البيئة الطبيعية، ولهذا فإننا سنرسل طلابا وطالبات فصلين من فصول معهدنا إلى نادي الفروسية، للتدرب على ركوب الخيل في مروجه الواسعة، وعلى أيدي مدربين متخصصين وبحضور كوادر من معهد النور تضم مشرفين وأخصائيي العلاج الطبيعي، وسيكون التدريب على ركوب الخيل يوما في الأسبوع، ولكن مفاوضات ستبدأ يوم الأحد الموافق التاسع عشر من أكتوبر الجاري (اليوم) أولا لزيارة عدد الطلاب والطالبات المتدربين، وثانيا لزيادة مدة التدريب، من يوم واحد في الأسبوع إلى يومين، وربما تنتهي هذه المفاوضات إلى تطبيق هذا التعديل خلال الفصل الدراسي الثاني من هذا العام الدراسي.
من أين الفكرة
سألتها: ومن أين جاءتكم هذه الفكرة؟ ثم كيف تطابقت مع حقائق تذكرينها بكل ثقة؟ فقالت: يوجد لدينا أخصائيون للعلاج الطبيعي، هم أصحاب هذه الفكرة، وقد وجدتها لائقة وممكنه، لأن الإنسان عليه أن ينفتح على كل الأفكار، وان يستمع إليها بعقل مفتوح، وان يجري كل شيء، حتى لو بدأ لنا متعذرا، وقد دخلت في نقاش واسع مع أخصائيين للعلاج الطبيعي، وكنت ارغب من هذا النقاش، أن اعرف وأزيد معلوماتي، واطرح أسئلة تتعلق بكل التفاصيل، واستمعت إلى الإجابات، ولهذا قررت خوض التجربة، واتصلت بنادي الفروسية من خلال مسئولين بمعهد النور، ولقيت ترحيبا، وبدأ حوار تناولت فيه الكثير من التفاصيل، والهدف الأساسي، هو تأمين التدريب السليم والأمن.
ركوب الخيل والأمراض
واستطردت د. حياة خليل نظر: إن هناك العديد من الأمراض التي يعالجها ركوب الخيل، ومنها مثلا إصابات العمود الفقري والضعف في السمع والكلام والرؤية، والجلطات الدموية، وتلف الأغشية، ومشاكل الإدراك، وفقدان الأطراف، والشلل الدماغي، والتخلف العقلي، وسوء التصرف الناجم عن شرود الذهن، وبعض المشكلات المتعلقة بالكسور العظمية، ومن ذلك، وكما ترى، فإن ركوب الخيل رياضة مهمة جدا، أنها ممارسة جميلة جدا، ولربما إن ركوب المكفوفين الخيل، يسفر عن أشياء جيدة، أو علاقة مختلفة بينهم وبين الخيل، هذا الكائن الذي يتحدث عنه أدباء وشعراء بود ونبل وفروسية.
وأضافت: ثم إن هناك فؤائد عامة لركوب الخيل، تكمن في انه يحسن التوازن ويقوي العضلات، ويحسن التنسيق بين العضلات ويسرع الاستجابات، ويزيد سيطرة الدماغ على العضلات، كما يزيد السيطرة على وضعية الجسم، ويخفف التشنج، ويزيد من فاعلية حركة المفاصل، ويمدد العضلات القاسية والمتشنجة ويرخيها، ويزيد القدرة على التحمل.
ثم قدمت لي د . حياة خليل نظر أوراقا من على ملف كان على مكتبها قائلة: اقرأ هذه الأوراق لتعرف قيمة وأهمية تدريب المكفوفين على ركوب الخيل.
- فسألتها: هل يمكنني استعارتها لبعض الوقت؟ فقالت: أنها لك فهي أوراق للمبصرين، أما نحن المكفوفين فأوراقنا وقراءتنا بطريقة برايل.
- قرأت سريعا بعض ما في هذه الأوراق، فوجدتها لا تختلف إطلاقا عما قالته لي د. حياة خليل نظر.
سبقتني د. حياة خليل نظر إلى صفحة ما كنت قد بلغتها وأنا أتصفح سريعا هذه الأوراق فقالت لي: ستجد أيضا بهذه الأوراق، إن ركوب الخيل له فوائده النفسية والاجتماعية فهو يعزز الثقة بالنفس والسيطرة على العواطف ويطور القدرة على الصبر ويحسن قدرات تقدير المخاطر ويخفض مستوى الضغط الاجهادي ويقوي الشعور بالإنماء الاجتماعي، وأضافت د. حياة خليل نظر يجب ألا ننسى دور أخصائي العلاج الطبيعي الذي سيكون ضمن الفريق الذي يشرف على تدريب طلابنا بنادي الفروسية فأخصائي العلاج الطبيعي يعمل مع الأطفال لمساعدتهم في تحقيق طموحاتهم وتحقيق اكبر فائدة ومتعة ممكنة لهم، من خلال التقييم وأيضا من خلال وضع التمارين الخاصة والمساعدة في تنفيذها وتقديم الإرشادات لأفضل الأوضاع الممكنة لتحسين القوام والمساعدة في تخطيط البرنامج العلاجي، أما في التعليم والتدريب فهو يعمل مع مدربي الخيل والمساعدين من خلال طرق حمل ورفع الأطفال وارتقائهم صهوة الخيل ونزولهم عنها وكيفية التعامل معهم بطرق آمنة تحفظ احترامهم بأوضاع مناسبة لهم، كما سيقوم أيضا أخصائي العلاج الطبيعي بإعطاء طلابنا وطالباتنا معلومات عن حالاتهم والمحاذير الخاصة بهم، بالإضافة إلى إعطائهم معلومات عن المعينات التي قد يستخدمها الأطفال مثل الأجهزة المساعدة للمشي وبيان وشرح المحاذير الخاصة ببعض الحالات وموانع استخدامهم بعض حركات الحصان مهم.
كما سيقوم أخصائي العلاج الطبيعي بمساعدة مدرب الخيل في التمارين الخاصة ببعض الأطفال أما دوره كمعالج فهو يشمل اختيار الأطفال الممكن تدريبهم على ركوب الخيل من خلال تقييم يشمل فحص التوازن والقوة العضلية والخلل الحسي وإدراك علاقة الجسم بالفراغ المحيط به فيعرف ماذا تعني كلمة فوق وكلمة تحت وكلمة داخل وكلمة خارج واستخدام ذراعيه في تحديد الاتجاهات.
كما يقوم أخصائي العلاج الطبيعي بتقييم قدرة الطفل على فهم المعلومات والتعليمات الموجهة له من المدرب وإذا ما كان يعاني من مشاكل في النطق واللغة وإذا ما كان أيضا يعاني الخوف من الارتفاعات أو الحيوانات فكل ذلك يتم تقييمه وبحثه واستشعاره في الطفل وسيقوم أيضا اثنان من أخصائيي العلاج الطبيعي بمعهد النور للمكفوفين هما الأستاذ عمر عبد اللطيف والأستاذ منصور العتيق بتقييم ارتقاء الطفل على الحصان ووضع الطفل على المسرح وإمكانية التوازن على ظهر الحصان وأيضا تقييم الوعي والإحساس بوضع الجسم وردة فعل الطفل لحركة الحصان والتغير في التوتر الفعلي وحركة المفاصل.
د. حياة خليل نظر كانت تتحدث لي وأصابعها تتلمس أوراقا أمامها تقرأ بأطراف أصابعها المعاني وتقولي لي: إن هذا المشروع يجب ألا يشكل لك مفاجأة فهو تطور طبيعي لطموحاتنا لطلابنا. وحينما تتجاوز المألوف والمتعارف عليه إلى ما تراه مستحيلا سيكون من السهل واليسير علينا أن نتغلب على كل ما قبله من عقبات بسيطة.
وقالت لي وهي تضحك: كبّر طموحك.. لتعرف إن الصعوبة هي أن تتواضع الطموحات.
فقابلت ضحكتها .... بابتسامة أظنها أدركتها بحواسها المستنفرة وقلت: منكم نتعلم.. ولماذا لا؟
ولكني عدت إلى تساؤلاتي: هل سيقوم نادي الفروسية بانتخاب أنواع معينة من الأحصنة، وأيضا تجهيزات معينة تناسب تدريب المكفوفين؟
فقالت من فورها: هذا تطور طبيعي متوقع، فسيكون هناك سرج خاص وأيضا تجهيزات خاصة، ولا يخالجني شك إن المدربين والمسئولين في نادي الفروسية والذين ابدوا ترحيبا بالفكرة واستعدادا كبيرا للتعاون قد درسوا بما فيه الكفاية واعدوا كل شيء.
وأضافت: وحينما أقول لك إننا نخطط لزيادة عدد الطلاب والطالبات عن فصلين في التيرم الثاني، وأيضا نخطط لمضاعفة يوم التدريب إلى يومين في الأسبوع، بدل من يوم واحد، فذلك يعني ضمنيا إن كثيرا من هذه المسائل قد حسمت، وإلا لما فكرنا في مضاعفة أعداد الطلاب والطالبات ومدة التدريب.
وحينما سألتها: لابد أنكم حصلتم على موافقة أولياء أمور هؤلاء الطلاب قبل الشروع في تنفيذ المشروع؟ قالت من فورها: هذا تم بطبيعة الحال، فلا نبدأ أي مشروع أو تنفيذ أي فكرة إلا بعد الحصول على هذه الموافقة، بل إن الصور التي سنزودك بها لم نعطها لك إلا بعد موافقة أولياء أمور الطلاب والطالبات.
وهناك ثقة متبادلة بيننا وبين أولياء الأمور، وهناك علاقة تعاون فعال مستمرة بين الطرفين، ولهذا فسوف ترى هذا البرنامج قريبا على نطاق واسع. وقد ندعوك لزيارة نادي الفروسية لتلتقي بالطلاب والطالبات المتدربين. وحينما يحل موعد كهذا فلربما نطرح عليك مفاجآت أخرى تدهشك كما أدهشتك فكرة تدريب المكفوفين على رياضة ركوب الخيل.
اثر كل ما سمعته طرحت على د. حياة خليل سؤالا: هل في نيتك أن تركبي أنت أيضا الخيل لتكوني فارسة فرسانك؟
فأجابت ضاحكة: ليت وقتي يسمح فهذا يحتاج مني إلى تفرغ لا أستطيعه الآن. يكفي أن أطفالي سيكونون سعداء بهذا البرنامج، وما يسعدهم ويزيد من قدراتهم ويبهجهم سوف يسعدني تلقائيا ويبهجني.
تساؤلات
غادرت اللقاء مع د. حياة خليل نظر، وفي الذهن أفكار وخيالات وتساؤلات ومنها مثلا: هل سنرى مستقبلا إدراجا أكيدا لرياضة سباق الخيل للمكفوفين على قائمة رياضيات ذوي الاحتياجات الخاصة، وهل فرسان معهد النور سيكونون ذات يوم في مضاميرها يحسب لها الحساب؟ وهل اتسعت دائرة توسع المكفوفين على كل تفاصيل حياة المبصرين، والتي عدت لأزمنة طويلة متعذرة، بل ومستحيلة، فأصبحوا يستخدمون كل أعقد التفاصيل التقنية التي تعوضهم عن حالة مفقودة، فتحمل لهم الحياة، وتفتح أمامهم كل الأبواب الموصدة، وتتيح لهم كل الفرص المتعذرة؟
وهل إن الأحلام التي سوف تتراقص فرحا على إيقاعات سنابك الخيل، ما هي إلا مرحلة ستتلوها مراحل، وفكرة ستعقبها أفكار أكثر جرأة.
أصبح كل شيء ممكنا بل وسهلا ومتوقعا، لهذا فيجب ألا تصيب الفكر والخيال شيخوخة حتى لا يزول أصحابه إلى ركن تعس في هذه الحياة التي لا تحتفي بوجودنا فيها كما ينبغي، ومثلما ينتصر لها الذين تتألق أحلامهم طوال الوقت.
http://www.al-watan.com/data/2008101...p?val=local4_1
تعليق