الجزء العاشر
في بيت " أبي الهمة "
في بيت " أبي الهمة "
كان أبو الهمة قبل أن نفترق في المرة السابقة قد دعانا لتناول طعام الإفطار في بيته ، وقد حاولت جهدي لإيجاد الذرائع لعدم الحضور ، إلا أنه ألح وأصر فشعرت في داخلي أن أبا الهمة مصمم على أن نزوره في بيته وأن نتناول طعام الإفطار الذي ستعده زوجته لنا وأن نقضي أمسية رمضانية معاً . وافقنا على الدعوة وفي الوقت المحدد انتظرت غضبان وأبا العيون بالقرب من المقهى وقبل أذان المغرب بساعة ونصف وصلا إلي وقد تسألت في نفسي لحظتها كيف يتواصل أبو العيون مع غضبان ولكنني تركت هذا السؤال لأكتشفه فيما بعد . سلمت على غضبان وعلى أبي العيون واقترحت عليهم أن نأخذ شيئاً معنا هدية لأبي الهمة وزوجته فأشار علينا أبو العيون أن نشتري طبقاً من الحلوى وعندما أردت أن أدفع لصاحب المحل ثمن ذلك الطبق فهمت من إشارات غضبان ومن تعابير وجهه أنه يريد المساهمة وكذلك قال أبو العيون : نحن أخوة وعلينا أن نتقاسم الثمن ، وعندما قلت لهم أن المبلغ لا يستحق . قال أبو العيون : لا يا أبا العبد صحيح أن الإمكانيات متواضعة ولكن الحال من بعضه فإذا تعاونا فإن العبء سيخف ونحن متعودون على المشاركة والتعاون ولا يوجد في هذا أي إحراج والذي لا يملك شيئاً فإننا لا نلومه ولا نكلفه . تعجبت من هذا الإحساس بحب التعاون والمشاركة وعدم التكلف وأعجبتني الصراحة والبساطة في التعامل فقررت في نفسي أن لا أصر على الدفع حتى لا يبدو الأمر كنوع من التعالي وتقاسمنا المبلغ ودفع كل واحد منا جزءاً ثم توجهنا إلى بيت أبي الهمة . كان غضبان يدفع الكرسي وأبو العيون يمسك به وأنا أحمل الطبق ، في هذه اللحظات كنت غارقاً في التفكير والـتأمل وأحاول أن أتوقع حال بيت أبي الهمة وكيفية مقابلة زوجته – أخت غضبان – وهل ستكون كما وصفها زوجها وهل تشبه غضبان وهل سترحب بنا وخصوصاً أنني حديث عهد بهذه الصحبة . عندما اقتربنا من البيت الذي يسكن فيه أبو الهمة وقد كان بيتاً قديماً متواضعاً جداً يتنحى جانباً عن البيوت الأخرى وأمامه شجرة تين وشجرة زيتون متعانقتان وكأنهما عاشقين ورغم وعورة الممر المؤدي إلى البيت إلا أننا قد عبرنا ذلك الممر الضيق بفضل حسن قيادة غضبان لنا وقد كان البيت مؤلفاً من طابق أرضي يتكون من غرفتين ومرافقها وليس من الصعب الوصول إليه . كان أبو الهمة ينتظرنا بشغف ولهفة أمام ساحة البيت وعندما شاهدته تخيلته أميراً يقف في باحة قصره ، هرع إلينا وسلم علينا بحرارة ولهفة صادقة قائلاً : لقد قلقت عليكم وخشيت أن أمراً قد وقف عائقاً في طريقكم ، فأجابه أبو العيون : لا تقلق يا صاحبي فإننا متعودون وبارعون في القفز عن الحواجز وتحدي العوائق . ضحكنا جميعاً وتقدم أمامنا ماشياً نحو البيت فلم يبق للآذان سوى وقتاً قليلاً . لقد انبرهت عندما دخلت هذا البيت الذي يبدو من خارجه حزيناً وحيداً قد أكل الدهر عليه وشرب ، لكنني شعرت للوهلة الأولى من داخله أنه مفعم بالأمل والحياة والنظام وأن السعادة ترقص في جنباته فكل شيء فيه على بساطته مرتب ومنظم وموضوع بلمسة فنية رائعة وما يزيد البيت جمالاً هذه اللوحات المطرزة التي تحمل عبارات رائعة مثل " رأس الحكمة مخافة الله " و " لا إعاقة مع الإرادة " و " لا يأس مع الحياة " و " ابتسم من فضلك " وغيرها . أجلسنا أبو الهمة في الغرفة متعددة الأغراض وهي عبارة عن صالة واسعة يوجد فيها بعض المقاعد وطاولة وتلفاز ،وبعض الأغراض الأخرى وقد لفت انتباهي ذلك الكرسي صغير الحجم الذي يتربع في صدر الغرفة فعلمت أنه مقعد أبي الهمة . أخذ أبو الهمة بمعاتبتنا على إحضار طبق الحلوى وقال الآن أنا لا دخل لي في الأمر وهذا شأنكم مع زوجتي " أمل " قال له أبو العيون : هذا شيء بسيط وأنت تستحق أكثر . كانت رائحة الطعام تعبق بأجواء المكان وخصوصاً أن المطبخ قريب وكنت أتوقع ظهور زوجة أبي الهمة في أي لحظة وخصوصاً أنها قد جهزت الطاولة بطريقة بسيطة وجميلة جداً باستثناء وضع الطبق الرئيسي تدل على ذوق راقٍ، وبعد أن جلسنا كل في مكانه وأنا جالسٌ على كرسيّ العزيز الذي أظهر جدارته في تحدي الطرق الوعرة وكأنه أربعة في أربعة ، دخلت علينا أمل بوجهها وطلتها البهية المشرقة المتهللة فرحاً وكأن تعابير وجهها تنشد لنا أجمل قصائد الترحيب قام غضبان من مكانه وعانقها بحرارة ثم توجهت إلي بوجهها ورحبت بي شعرت حينها أنها تريد أن تعبر لي عن كل معاني الصداقة والأخوة والترحيب ولكنها اختزلتها في ابتسامتها الرائعة وأومأت لي بيدها فأشرت إليها بيدي وابتسمت في وجهها أما صاحبي أبو العيون فقال لأبي الهمة بلّغ تحياتي لأختي أمل ويبدو أنها اليوم متوصية بنا ، يا عم هذا أبو العبد اليوم معنا ، رفع الآذان فانقطعنا عن الكلام وتوجهنا نحو الطعام واتفقنا على أن نكمل القصة في السهرة إن شاء الله .
تحياتي
تعليق