الخوف من الفشل يضعف القدرة على اتخاذ القرار
رنّه العامرالغد -عمان - عديد من الأشخاص يتملّكهم التردّد عند اتخاذ أي قرار سواء أكان مصيريا أم عاديا، وآخرون يطبع شخصيتهم عدم الثقة بالنفس؛ إذ يبدو عليهم التوتر والقلق بشأن هيأتهم أو قدرتهم على حسم أمورهم اليومية والعملية.
اختصاصيّون يجمعون على أن الخلل في التنشئة الأسرية والفشل المصاحب لأمر ما في حياة الشخص تخلق شخصية مهزوزة غير واثقة بنفسها ومترددة في اتخاذ قرار يخصهم.
العشرينية فاطمة تصرح "أشعر بأنني لست على قدر كاف من الجمال يخولني للذهاب إلى العمل، معترفة بأن ثقتها بنفسها مهزوزة".
وتحاول فاطمة مواكبة الموضة والعصر بعدة طرق لتظهر بشكل مقبول، وفق قولها رغم الضيق الذي تشعر به؛ بسبب ما ترتديه من لباس كالتنورة القصيرة التي تقيد حركتها، إلا أنها مجبرة على ارتدائها مجاراة لزميلاتها بالعمل ولتظهر ثقتها بنفسها أمامهن.
من جهتها تقول جمانة حسن (27 عاما) "أعاني من مشكلة التردّد في اتخاذ القرار وعدم الثقة بنفسي، وأحتاج دائما لأن يمتدحني أحد ويثني عليّ".
جمانة الأمّ لثلاثة أطفال تشكو من شخصيتها المهزوزة ما يؤثر ذلك، في كثير من الأحيان، في فقدانها المتعة بالحياة، وتعترف أن زوجها يقف إلى جانبها، ويأخذ بيدها في أي أمر بحاجة إلى قرار".
وفي السياق نفسه يشير اختصاصي علم الاجتماع د. فايز الصياغ إلى أن "التردّد الزائد وعدم الثقة بالنفس قد ينتجان من خلل في طبيعة الشخص الأساسية التي تشكل تربية الأسرة عاملا أساسيا في تكوّنها".
وفيما يتعلق بحاجة الإنسان إلى سماع كلمات التقدير فيبيّن الصياغ "أنها حاجة فطرية تولد معه، وهي من أشد حاجات الإنسان"، مؤكدا
"أن الثناء على الشخص المصدر الأول للتقدير المعنوي، ومن ثم زرع الثقة بالنفس"، لافتا إلى أن "الأسرة تأتي بالمرتبة الأولى، لاسيما الوالدان، ليأتي بعدهما الأصدقاء والأقارب وزملاء الدراسة والعمل".
وعن طريقة الأهل في نقدهم للأبناء فيرى د.الصياغ أن "كثرة النقد ليست الطريق إلى إصلاح العيوب والارتقاء بالأداء"، مشيرا إلى أن اتباع
هذا الأسلوب لا يخلّف في النفس إلا دواعي المقاومة التي تمثل السلوك السلبي، ومن ثم تدهور الأداء وعدم القيام بالعمل المطلوب.
وفي الإطار نفسه يرجع اختصاصي الطب النفسي الدكتور سعيد أحمد الرواجفة السبب في شعور عديد من الأشخاص بعدم القدرة على اتخاذ قرار إلى "نقلة نوعية في حياتهم، ووجود عقدة تتشكل منذ الطفولة، وتمثل حاجز ثقة سلبية بالنفس".
وفيما يتعلق بالأسباب الأخرى التي تؤثر في شخصية الفرد فيعزوها د.الصياغ إلى عوامل جينية، إضافة إلى التربية التي قد لا ترى في المرء روح الطموح، والمبادرة في أنماط سلوكية ومنظومات تتجاوز حدود الواقع.
ويضيف أن "الثقة بالنفس هي التي تربي الإحساس بالمبادرة والتجديد والحركة إلى الأمام في اتجاهات جديدة في سلوكه على مختلف الأصعدة؛ النفسية والفردية والاجتماعية".
عقدة الطفولة المتمثلة بالفشل؛ حيث يقوم الشخص بعمل ويفشل فيه تشكل فيما بعد فكرة تنعكس على ذاته، ومن ثم يتردّد باتخاذ القرار في الأعمال المشابهة، الأمر الذي يشكل لديه إحساسا بالعجز ومواجهة المجتمع، وفق د.الرواجفة الذي يوضّح أن ذلك قد يتسبّب في خلق شخصية مهزوزة وخجولة مردّها إلى ظروف غامضة في الطفولة، وهو ما يطلق عليه بـ"الوضع النفسي العصابي"، حيث يشعر الشخص بالرغبة في الحصول على استحسان الآخرين، وتصبح لديه حساسية وردود فعل متباينة تجاه الآخرين يتصورها مسبقا.
ومن ناحية أخرى يمكن أن يصدر السلوك عن نظرة واقعية مثل إدراك المرء أن ما يقوم به من عمل يفوق قدراته، وهذا ما يطلق عليه
"نمو الشخصية التردّدية"، وهو ما ينطلق من المقولة المأثورة "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه"، بحسب د.الصياغ.
ويتابع د.الصياغ أنه في كثير من الأحيان يؤدي عدم معرفة الفرد لقدراته، ومن ثم الفشل في تأدية الالتزامات المترتبة على ذلك إلى الاحباط؛ إذ يراوح المرء مكانه، ويصاب بما يسمى عادة "بالقصور الذاتي"، ويصبح غير قادر على المبادرة بأنماط سلوكية وقيم جديدة يستهدي بها في سلوكه الفردي والاجتماعي.
من جهتها تشير الاختصاصية التربوية ريم السرحان إلى أن الثقة بالنفس "أمر مكتسب من البيئة التي نشأنا بها، ولا يمكن أن تولد مع أي شخص كان".
وعن أسباب عدم الثقة بالنفس فتحيلها السرحان إلى تهويل الأمور والمواقف؛ حيث يشعر الشخص بأن من حوله يركزون على ضعفه، ويراقبون كل حركة غير طبيعية يقوم بها، الأمر الذي يدفعه للخوف والقلق من أن يصدر منه تصرف مخالف للعادة حتى لا يواجهه الآخرون باللوم أو الاحتقار.
ولتعزيز الفرد ثقته بنفسه ينصح د.الصياغ ضرورة الحصول على المزيد من التدريب والخبرة العملية في الأمر الذي يطمح المرء للنجاح بها، ومحاولة تجاوز الواقع والالتحاق بدورات ومساقات جديدة تحفّزه وتنمّي فيه الطاقة الإيجابية.
وللتخلص من هذه الحالة ينصح د.الرواجفة أن يقاوم الشخص، ويطرد عنه عدم الثقة بالنفس، ويدرك وضعه الذي يعاني منه، وأن تكون هناك معايير موضوعية واضحة وثابتة لتقويم أداء أي عمل يقوم به.
مضيفا أنه قد يلجأ في الحالات المتفاقمة إلى الطبيب النفسي؛ لمعرفة السبب وراء الشخصية المهزوزة وقلة الثقة بالنفس، وبناء عليها يعطى العلاج اللازم.
وتؤكد السرحان أهمية التركيز على حب الذات وعدم الانتقاص منها، وتجاهل الماضي ونسيان الأحداث المزعجة والتركيز على المزايا والقدرات الخاصة داخل الشخص وكيفية تحقيقها.
وتتابع "لابد من التسامح مع من أخطأ في حقنا أو انتقدنا، وأن لا يكون الشخص مرهف الحس إلى درجة الحقد أو تهويل الأمر"، منوهة إلى ضرورة "التأقلم مع من ينتقدنا، فليس كل من ينتقدنا هو بالطبيعة يكرهنا؛ لأن التفكير بهذه الطريقة يقود للشعور بالنقص".
وتلفت إلى أن مساعدة الآخرين تحقّق الثقة بالنفس، كما أن الظهور بمظهر لائق ينعكس إيجابا على حياة الفرد.
منقول بحذافيره
تعليق