الاحصائيات المتقدمة

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

انسان خلف قضبان الإعاقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Font Size
    #1

    انسان خلف قضبان الإعاقة

    غادر الدرب الضيق المظلم مستعينا بعصاه الخاصة ومستعينا بضيق الدرب, يمرر العصا بمحاذاة الجدار ويده الأخرى تتلمس الجدار المقابل, إلى أن وصل أخيراً لنهايته المنفتحة على الشارع الواسع, المليء بصخب السيارات والمارة ، المضيء بأشعة الشمس المتوهجة لكن رغم هذا لم تتغير الصورة في عينيه, فما زالت كما هي ظلام في ظلام, سواد في سواد لا يرى شيئا ولا يميز شيئا.

    انتقل للجانب الأيمن من الدرب, مازالت يده على الحائط وما زالت العصا تدق الأرض دقا رتيبا, أحيانا تنبهه لوجود حفرة صغيرة ، أو حجرما ، وأحيانا أخرى تشرد فتوقعه في مشاكل جمة, لكن وبفعل السنوات تعود عليها وأصبحت يده الخبيرة تمررها في كل النواحي التي تسير فيها قدماه, لذا بات من الصعب أن تعرقله الأرض, أما دونها فمحتمل جدا, وصل للسور الحديدي عبثت يده بقضبانه إلى أن وصل للبوابة التي ما إن تجاوزها حتى استقبله البواب ممسكا بيده ليعبروا الدرجات المفضية للداخل, هنا كان أول تواصل له مع ذوي اعاقته في هذه الدار ’دار المعاق ودوي الاحتياجات الخاصة’ تعلم ما لم يسمح له مجتمعه بتعلمه, تعلم القراءة الخاصة بالضرير, لعب بألعاب وحمل الأقلام وكون أصدقاء كل هذه الأشياء كانت شغله الشاغل حين كان صغيرا, أما الآن فقد كبر وكبرت أفكاره وأصبحت تتجاوزاللعب والمرح وتتجاوز هذه الشكليات لتغوص في الأعماق, أعماق الأشياء التي لم يكن يشعر بها وهو طفل, أوصله البواب للكرسي حيث يجلس بجانب الطاولة الخشبية الصلبة, جلس صامتا وتفكيره هائم, أصبح الآن تفكيره منصبا حول الغد, حول المستقبل, بعد أن كان لا يهمه إلا أن يعيش يومه بساعاته ودقائقه, نضج عقله ونضج معه ذلك الركن المنزوي داخل قلبه ذلك الركن الذي يصرخ منذ البداية ليقول كلمة واحدة ’ وماذا بعد’ كلمة واحدة لكنها قادرة في لحظة أن تتفرع لمئات الكلمات, ماذا بعد اللعب؟ ماذا بعد التواصل؟ ماذا بعد زوال مصدر مصروفه الوحيد؟ ماذا بعد مجيئه للدار يوميا؟ ماذا بعد سن الثلاثين؟ ماذا بعد سن الأربعين؟ ماذا بعد سن السبعين؟ كيف سيعيش؟ كيف سيتأقلم؟ كيف سيموت؟ أسيكون بجواره أحد عندما يكون على فراش الموت؟ وبفعل كل هذه الأسئلة تتدفق الأحزان, تتدفق مشاعر كثيرة, يأس, سأم, حسرة, ضياع, وعجز, عجز كبير.

    قاطعه عن أفكاره صوت صديقه الضريرالذي جلس بجواره بعد التحية والسلام سأله الصديق سؤالا عجيبا:
    - إذا سألتك ماذا تريد أن ترى في هذا العالم فبماذا ستجيب؟
    أجاب وكأنه طالما انتظر هذا السؤال:
    - لو منحت نعمة البصر فأحب أن أرى ملامح كل الناس المحيطين بي, وأحب أن أرى الشمس, أن أوجه عيني نحوها مباشرة, أحب أن أرى المحيط, هذا البحر الواسع من الماء الذي يحكى عنه, أحب أن أملأ عيني بنسيمه المميز وأحب أن أبصر الطبيعة, الأشجار, الأعشاب , الأزهار من كل الألوان , الأنهار, الجداول, الطيور, الفراشات والنحل وأن أتدوق وجبة وأنا أراها بعيني, وأن أتحدث مع شخص وأنا أتمعن في عينيه, وأن أجري بأقصى سرعتي والريح تلفح وجهي والمطر يتصبب فوق رأسي أجري ولا تهمني العوائق ولا ألقي بالاً بالمطبات, وآخر شيء أحب أن يرى كل الناس هذه الأشياء من وجهة نظري أنا, وأن يعلموا أن الله أنعم علينا بنعم كثيرة تستوجب الشكروالإمتنان في كل يوم مئة مرة أو ألف مرة. ربما هم لا يحسون بها ولا يشعرون بها يمكن لأنهم ألفوها تمكنوا منها حتى أصبحت من المسلمات لديهم لكن إن فكروا في عدها فهم بالتأكيد لن يستطعوا أبدا لذا فهم لن يفكروا في ذلك بل سيتركوا التفكير لنا نحن...
    بقلم سعيدة
    سابقى انظر للحياة بعين الأمل
    فأنا امرأة رسم عليها الزمن شدة اﻷلم
    فبصمت على جداره لوحة اﻷمل
Loading...


يعمل...
X