تويت
ذوو الإعاقة.. العسل المر في زمن التحديات
هند السويدي
تولي دولة قطر اهتماما موسعا بقضية ذوي الإعاقة وتبذل جهودا واضحة في سبيل إعلاء شأن القيم الإنسانية مساندةً ودعماً ومناصرةً وتوثيقاً للحقوق في المواثيق الدولية وتطبيقها على أرض الواقع بكل السبل المشروعة والكفيلة بالأخذ بيد هذه الفئة المهضومة والملتصقة بها نظرة دونية من الصعب تغييرها كصورة منقوصة ملتصقة في الأذهان لفترات طويلة برغم امتلاكها قدرات ومواهب ومهارات تصل إلى رتبة الإبداع لدى العديد من المشاهير والأعلام والذين تركوا بصمات كبيرة في مدرسة الحياة والعلم والعمل ولكن لا يزال كثيرون من عامة الناس ومن المثقفين والمتعلمين لم يقتنعوا بها ويرجع ذلك ربما إلى نظرة شخصية أو بحجم مدى التعاطف أوالانبهار بالقدرات وبمدى الإيمان بقضية الإعاقة. وعليه يكون ذوو الإعاقة بالنسبة إلى والديهم وأحبائهم وأهلهم وأصدقائهم ومجتمعهم بمثابة «عسل مر» يحتاج إلى تصفية جوانب المر فيه والتمتع بمذاق عسل مصفى والعيش الكريم بالتالي في زمن التحديات واكتساب حق التمتع بامتيازات كباقي الأفراد الأسوياء داخل محيط الأسرة والمدرسة والعمل.
قضية ذوي الإعاقة في أيد أمينة
ما يتوج الانتصارات التي نسمع عنها لدى فئة ذوي الإعاقة هو اهتمام قطر بقضية الإعاقة ومخاطبة العالم أجمع بحقوق الاحتياجات الخاصة متمثلة في جهود سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حفظها الله وفي سعي الشيخة حصة بنت خليفة آل ثاني المقرر الخاص المعني بالاعاقة بالأمم المتحدة إلى أهمية وجود ثقافة حقوقية بالعالم وتصحيح الصورة المغلوطة حول القضية إذ صرحت الشيخة حصة في تصريحات لإحدى الصحف قبل فترة مضت «ان الثقافة المتداولة في عالمنا العربي تعتمد بشكل أكبر على الشفقة والرثاء وليس التعامل من منظور حقوق الانسان».
وهذه موروثات قديمة واتجاهات سلبية تزرع الإحباط والانتكاسة وفقدان الكرامة والحس الإنساني والقيمة الانسانية فمتى السبيل إلى الخلاص منها؟
فديننا الإسلامي يوصينا بحفظ كرامة وآدمية وحقوق ذي الإعاقة ففي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ترك السلام على الضرير خيانة»، وهذا الصحابي عبد الله بن أم مكتوم، وهو رجل أعمى، جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده أكابر القوم يدعوهم الى الإسلام، فأعرض عنه، فنزلت في حقه آيات عتاب رقيق للنبي صلى الله عليه وسلم جاءت في سورة «عبس» وبعد هذه الحادثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يبسط رداءه لابن أم مكتوم ويقول له مداعباً «أهلاً بمن عاتبني فيه ربي».
إلى جانب أن دعم القضية دليل تحضر المجتمع ومعيار مهم من معايير تقدم الدولة وبالتالي فإن الإعاقة قضية إنسانية يجب ان يشترك فيها الجميع.
.. دعم دولة ومسؤولية أفراد
في أواخر سبعينيات القرن العشرين الماضي تبنت قطر بشكل رسمي مشروع دعم وتعليم وتدريب وضم فئات ذوي الإعاقة بجميع أنواع ودرجات الإعاقة. وتبنت الاهتمام بهذه القضية وذلك بإنشاء معهد للبنين وآخر للبنات للصم والبكم وذوي الإعاقات الفكرية. ثم بداية الثمانينيات تم إنشاء معهد الأمل واحد للبنين. والملاحظ أنه حتى عام 1983 فقد كان يضم معهد الأمل الإعاقات كلها في مكان واحد مما كان يؤثر سلبا على الإعاقات الخفيفة. مثلا كان أطفال متلازمة داون يخالطون أطفالا ذوي إعاقات شديدة كالتخلف العقلي الشديد بأنواعه الأخرى مما كان يسبب بلبلة وخوفا من قبل أهالي أطفال متلازمة داون وهم يخالطون أفرادا أكثر إعاقة. وكذلك يخالط الصم والبكم أفرادا شديدي الإعاقة العقلية وتم فصل ذوي الإعاقة الفكرية عن الصم والبكم وأصبحت في عام 1984 مدرسة تربية سمعية وأخرى فكرية. واليوم وبفضل دعم الدولة والحرص الكبير والاهتمام الحقيقي بذوي الإعاقة فقد تم تجهيز صفوف وأماكن خاصة بحسب طبيعة الإعاقة كنوع ودرجة. ويقدم مركز الشفلح اليوم خدمات متكاملة لذوي أنواع مختلفة من الإعاقة من أطفال متلازمة داون وأطفال التوحد والإعاقات الأخرى تحت إشراف ودعم من قبل سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند بحيث يوفر التعليم الخاص والرعاية والعلاج حتى سن الواحد والعشرين وبالتالي يتم تحويل المستفيدين إلى سوق العمل القطري في خطة مرسومة نحو توظيف عدد منهم من الذي يمتلك مهارات مقبولة للعمل في وظائف بسيطة بحسب الإمكانات والقدرات. ويدرك المركز أهمية تكامل الأدوار بين الأهالي والمركز بحيث يتعرف الأهالي على نوعية الخدمات العلاجية والتعليمية المقدمة لأبنائهم ومساعدتهم لتخطي مراحل الخدمات المقدمة. ويتخطى مركز الشفلح خط التعريف بالفئة داخل المركز ومع الأهالي إلى التعريف بحقوق الفئة وقدراتها خارج المركز مع الوسط الخارجي. ولا يفوتني في هذا السياق أيضا أن أذكر الجمعية القطرية لرعاية وتأهيل المعاقين والتي بذلت ولا تزال تبذل جهودا كبيرة ملموسة في سبيل التأهيل والرعاية للفئة التي بالفعل لا تلقى غير السخرية والاهمال. وهي رعاية ملموسة وواقعية ويظهر أثرها في الفئة المستهدفة مباشرة وليس مجرد إنجازات وهمية أو تنظيرية لملء الفراغ والورق. ومثل هذه المراكز والجمعيات المعنية بقضية ذوي الإعاقة تمثل مراكز للتغلب على التحديات ورمزا للصمود والحفر في الصخور والأمل المرسوم على جبين كل طفل يرسم البسمة على وجهه ويمسح بنفسه الدمعة من على خده وهو متسلح بالإرادة وتحدي الإعاقة.
.. معهد القناديل المضيئة
يعد معهد النور للمكفوفين في حقيقة الأمر المعهد الذي يوقد شمعة في الظلام للآخرين، والذي يزرع الأمل ويرفع الروح المعنوية للمكفوفين الذين ينيرون دروبهم بكفاحهم ويضيئون أمامهم القناديل بتعلمهم وإصرارهم على التعلم. يتعلمون المعاني التي تمدهم بالبصيرة والإيمان وتمدهم بالنبراس الذي يهتدون خلاله إلى مكنونات إبداعهم وقدراتهم الكامنة التي تضيء العالم بإبداعها. إنني أقدم الشكر الجزيل للعاملين جميعهم لأنهم بالفعل يحولون السراب إلى حقيقة ويحولون الظلام إلى نور. وتحية خاصة إلى الفاضلة حياة خليل التي هي أساس الكفاح ورمز العطاء ونموذج حي على البصيرة اللامعة.
معوقات دعم قضية ذوي الاعاقة
يكافح ذوو الإعاقة ليثبتوا للعالم اجمع قدراتهم كل واحد بحسب إعاقته التي تظهر له هذه القدرة ولكنهم يصدمون بعدة معوقات تهدم قضيتهم وتخيب آمالهم. ومن معوقات دعم قضية الإعاقة أذكر:
1-عدم اقتناع بعض الأهالي في الأخذ بيد هذه الفئة واكتشاف ما يمكن أن نقدمه من مساعدات تعليم وتدريب وعلاج.
2-ضعف تقديم وسائل دعمها نفسيا ومعنويا في محيط الأسرة والمجتمع والإعلام.
3- السخرية من الإعاقات المختلفة وعدم الإيمان بقضيتها.
4- الخوف من تقديم التعاطف والدعم للفئة نتيجة الاتجاهات السلبية تجاه الفئة.
5- الإهمال الأسري بسبب تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
ذوو الإعاقة وصعوبة الدمج
آلمتني أكثر من مرة مشاهد مؤلمة لبعض طالبات الدمج من ذوي الإعاقة في إحدى المدارس الحكومية. حيث كانت تتلقى بعضهن كلمات سخرية وركلات استهزاء من قبل بعض الطالبات اللواتي يشاركنهن الدراسة داخل الفصل وخارجه. وكنت حين أرى هذه المشاهد الرافضة من قبل الطالبات ويرفضن أن يدرسن مع طالبات دمج من ذوي إعاقات مختلفة حركية وعقلية أبدأ أقلق على نفسية طالبات الدمج اللواتي يرين الرفض والاستياء والسخرية من طالبات المدرسة وينعكس على تقبلهن الدراسة ويئد فكرة الدمج ومخالطة الأسوياء ولا تتحقق أهداف الدمج. ومن هنا فإنني لأرجو من المدارس التي لديها طلاب دمج أن تحقق أهداف الدمج بتسخير كل الإمكانات التي تيسر حصول طالب الدمج على الدعم المعنوي والنفسي والاجتماعي المطلوب لتأهيله ورفع الحرج عنه والانتباه إلى علامات الإحباط التي تصيب طالب الدمج من أقرانه الأسوياء، والحرص كل الحرص على عدم تعرضه للسخرية. وأؤكد أيضا على أن طالب الدمج أصلا لا يحتاج إلى تعليم وتدريب بقدر ما يحتاج إلى ان يشعر بالأمان والراحة النفسية وسط جو مناسب يساعده على الشعور بالأمان ورفع القلق والحرج عنه. وحتى تتحقق أصلا فكرة الدمج في الواقع فلا بد من تأهيل الطلاب الأسوياء بتقبل الضيف الجديد ومنحهم فرصة التعرف بطالب الدمج وبما يتمتع به من مواهب وقدرات. وأتوقع أنه لو أحسن الأخصائيون النفسيون القيام بهذه المهمة لما حدثت هناك مشاهد التجريح وإيقاع طالب الدمج في إحراج مع جمهرة غفيرة تلتم حوله وهو لا حول له ولا قوة ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. فالطلاب الأسوياء ينتهزون فرص غياب الأخصائي النفسي المرافق لطالب الدمج أو غياب المدرس لتعذيبه نفسيا وجسديا. وأحيانا يتصنعون تقبلهم لطالب الدمج وهم على خلاف ذلك. وعليه فإنه يقع على الأخصائي النفسي والاجتماعي أيضا مسؤولية الدمج بالفعل وليس بالاسم وعليه أن يترجم الدمج فعليا مع المعلمين الآخرين الذين يشتركون معه في مسؤولية الدمج وذلك بتضافر عنصرين وهما : أن يتقبل الطلاب الأسوياء تقبلا ملموسا حقيقيا يترجم في تعاملهم وتعاطفهم ودفاعهم عن زميلهم طالب الدمج وكذلك أن يستطيع طالب الدمج الاندماج النفسي والاجتماعي ويبتسم الابتسامة التي تعكس فرحة قلبه بمشاركة الأسوياء في تلقي التعليم والتدريب وممارسة الأنشطة.
نقاط ضعف دمج طلاب ذوي الإعاقة
هل المشاهد المؤثرة السلبية التي تحدث لطلاب الدمج تمر مرور الكرام أمام إدارات مدارس الدمج؟ وهل يقف المسؤولين عن طلاب الدمج مكتوفي الأيدي في المدارس التي تكون ربما أصلا كهيئة إدارية وتدريسية غير مؤهلة نفسيا لاستقبال طلاب دمج؟. وهل تعلم إدارة الشؤون الاجتماعية التي هي الجهة المسؤولة عن الإشراف على برنامج الدمج عما يحدث من مصادمات نفسية مع الطلاب الأسوياء؟ وكيف يمكن التحقق إلى أي مدى استطاع طالب الدمج الاستفادة من الوسائل المتاحة له للتعلم؟ وهل التقديرات وشهادات الاجتياز للاختبارات هي تعكس جوهر أدائه الفعلي أم مجرد علامات ترفيع لإنجاح فكرة الدمج؟ وتصرح لنا بعض المدارس التي تمارس الدمج لديها أنها قد استعدت لاستقبال طلاب الدمج. ويتضح أن الاستعداد مقتصر فقط من ناحية تهيئة الممرات داخل المدرسة وبعض الأنشطة وشراء أرخص الهدايا الرمزية التشجيعية لهم أو إشراكهم في برامج التليفزيون الترفيهية والجلوس للتصفيق وحجز مقاعد أمامية لهم وكأن هذا الأمر نهاية الآمال المرجوة لتحقيق مفهوم الدمج!. لذلك فإنني أحصر عددا من معوقات الدمج ونقاط الضعف فيها:
1- ضعف تعليمهم وتدريبهم وفق منهج وطريقة خاصة بهم وسط الأسوياء.
2- عدم إبراز مهاراتهم اليدوية والمواهب البسيطة الفنية أو الشعرية التي يمتلكونها.
3- ضعف الجهود الرامية إلى مساندة طلاب الدمج على تقبل المدرسة وفي علاقة طالب الدمج مع مدرسته، وفي علاقة المدرسة مع الأسرة وعلاقة الأسرة مع المدرسة.
4- نقص طبيعة ونوعية الخدمات المقدمة لهم.
5- عدم مراعاة الفروق الفردية.
فكيف أعامل طالب دمج لديه ضعف سمع مع طالب دمج لديه إعاقة حركية وطالب آخر لديه نوع من تخلف عقلي بسيط وآخر كفيف وآخر مصاب بالتوحد؟
كثير من عامة الناس المثقفين وغير المثقفين يخلطون بين ذوي الإعاقة وبين من لديهم صعوبات التعلم وبطيئي التعلم والمتأخرين دراسياً. وكان مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة مخصصا لذوي الإعاقة بأنواعها المختلفة الفكرية والعقلية والجسدية ولكنه أصبح كلمة مطاطة لتعني ذوي الإعاقة وذوي صعوبات التعلم وبطيئي التعلم والمتأخرين دراسيا. وهذا يعني أنهم مختلفون اختلافا جذريا عن ذوي الإعاقة. ولا بد أيضا من التفريق بين من نسميهم بطيئي تعلم أو متأخرين أو لديهم صعوبات تعلم وذلك بناء على أسس من بينها جانب التحصيل الدراسي والحصول على درجات منخفضة بسبب صعوبة المادة أو القراءة أو الإملاء واضطراب الذهن من ناحية الانتباه والتركيز، ما نسميه صعوبة تعلم أو عدم القدرة على استيعاب جميع المواد نتيجة انخفاض معامل الذكاء ما نسميه ببطء في التعلم أو إهمال الدراسة بسبب انخفاض الدافعية للتعلم أو التعرض لظروف خاصة او صحية طارئة، ما نسميه تأخرا دراسيا. وكل حالة من هذه الحالات الثلاثة تظهر واضحة مع دخول المدرسة والسؤال الذي يطرح نفسه : هل يلتبس الأمر على المعنيين بالتشخيص في تشخيص الطلاب ذوي المعدلات المتدنية التشخيص السليم؟ ثم يكتشف المعلمون خطأ التشخيص نتيجة الممارسة اليومية والاحتكاك اليومي بهم وبالتالي لا يتم تقديم الخدمة المناسبة لهم؟ والملاحظ أن أولياء الأمور الذين لديهم أبناء منخفضي التحصيل الدراسي يضيعون بين أن يصنفوهم من ضمن طلاب صعوبات التعلم أو بطيئي التعلم أو من ضمن من نسميهم المتأخرين دراسيا. وهذه الضبابية ترجع إلى عدم التصنيف الصحيح ويقوم ولي الأمر بالتأكد من نفسه من قبل زيارة أخصائي علمي لهذه الحالات. بينما يعم الجهل الغالبية من الذين يرون الطفل الذي لديه انخفاض في التحصيل او عدم القدرة على الاستيعاب أو امتلاك المهارات الجامعية فطفل لديه تخلف عقلي ويصنفونه حسب اعتقادهم بتصنيفات غير علمية وتظهر عليه إشاعات لإعاقات عقلية تلتصق به وهي ليست فيه بتاتا.
http://www.al-watan.com/data/2009022...p?val=local7_1
هند السويدي
تولي دولة قطر اهتماما موسعا بقضية ذوي الإعاقة وتبذل جهودا واضحة في سبيل إعلاء شأن القيم الإنسانية مساندةً ودعماً ومناصرةً وتوثيقاً للحقوق في المواثيق الدولية وتطبيقها على أرض الواقع بكل السبل المشروعة والكفيلة بالأخذ بيد هذه الفئة المهضومة والملتصقة بها نظرة دونية من الصعب تغييرها كصورة منقوصة ملتصقة في الأذهان لفترات طويلة برغم امتلاكها قدرات ومواهب ومهارات تصل إلى رتبة الإبداع لدى العديد من المشاهير والأعلام والذين تركوا بصمات كبيرة في مدرسة الحياة والعلم والعمل ولكن لا يزال كثيرون من عامة الناس ومن المثقفين والمتعلمين لم يقتنعوا بها ويرجع ذلك ربما إلى نظرة شخصية أو بحجم مدى التعاطف أوالانبهار بالقدرات وبمدى الإيمان بقضية الإعاقة. وعليه يكون ذوو الإعاقة بالنسبة إلى والديهم وأحبائهم وأهلهم وأصدقائهم ومجتمعهم بمثابة «عسل مر» يحتاج إلى تصفية جوانب المر فيه والتمتع بمذاق عسل مصفى والعيش الكريم بالتالي في زمن التحديات واكتساب حق التمتع بامتيازات كباقي الأفراد الأسوياء داخل محيط الأسرة والمدرسة والعمل.
قضية ذوي الإعاقة في أيد أمينة
ما يتوج الانتصارات التي نسمع عنها لدى فئة ذوي الإعاقة هو اهتمام قطر بقضية الإعاقة ومخاطبة العالم أجمع بحقوق الاحتياجات الخاصة متمثلة في جهود سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حفظها الله وفي سعي الشيخة حصة بنت خليفة آل ثاني المقرر الخاص المعني بالاعاقة بالأمم المتحدة إلى أهمية وجود ثقافة حقوقية بالعالم وتصحيح الصورة المغلوطة حول القضية إذ صرحت الشيخة حصة في تصريحات لإحدى الصحف قبل فترة مضت «ان الثقافة المتداولة في عالمنا العربي تعتمد بشكل أكبر على الشفقة والرثاء وليس التعامل من منظور حقوق الانسان».
وهذه موروثات قديمة واتجاهات سلبية تزرع الإحباط والانتكاسة وفقدان الكرامة والحس الإنساني والقيمة الانسانية فمتى السبيل إلى الخلاص منها؟
فديننا الإسلامي يوصينا بحفظ كرامة وآدمية وحقوق ذي الإعاقة ففي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ترك السلام على الضرير خيانة»، وهذا الصحابي عبد الله بن أم مكتوم، وهو رجل أعمى، جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده أكابر القوم يدعوهم الى الإسلام، فأعرض عنه، فنزلت في حقه آيات عتاب رقيق للنبي صلى الله عليه وسلم جاءت في سورة «عبس» وبعد هذه الحادثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يبسط رداءه لابن أم مكتوم ويقول له مداعباً «أهلاً بمن عاتبني فيه ربي».
إلى جانب أن دعم القضية دليل تحضر المجتمع ومعيار مهم من معايير تقدم الدولة وبالتالي فإن الإعاقة قضية إنسانية يجب ان يشترك فيها الجميع.
.. دعم دولة ومسؤولية أفراد
في أواخر سبعينيات القرن العشرين الماضي تبنت قطر بشكل رسمي مشروع دعم وتعليم وتدريب وضم فئات ذوي الإعاقة بجميع أنواع ودرجات الإعاقة. وتبنت الاهتمام بهذه القضية وذلك بإنشاء معهد للبنين وآخر للبنات للصم والبكم وذوي الإعاقات الفكرية. ثم بداية الثمانينيات تم إنشاء معهد الأمل واحد للبنين. والملاحظ أنه حتى عام 1983 فقد كان يضم معهد الأمل الإعاقات كلها في مكان واحد مما كان يؤثر سلبا على الإعاقات الخفيفة. مثلا كان أطفال متلازمة داون يخالطون أطفالا ذوي إعاقات شديدة كالتخلف العقلي الشديد بأنواعه الأخرى مما كان يسبب بلبلة وخوفا من قبل أهالي أطفال متلازمة داون وهم يخالطون أفرادا أكثر إعاقة. وكذلك يخالط الصم والبكم أفرادا شديدي الإعاقة العقلية وتم فصل ذوي الإعاقة الفكرية عن الصم والبكم وأصبحت في عام 1984 مدرسة تربية سمعية وأخرى فكرية. واليوم وبفضل دعم الدولة والحرص الكبير والاهتمام الحقيقي بذوي الإعاقة فقد تم تجهيز صفوف وأماكن خاصة بحسب طبيعة الإعاقة كنوع ودرجة. ويقدم مركز الشفلح اليوم خدمات متكاملة لذوي أنواع مختلفة من الإعاقة من أطفال متلازمة داون وأطفال التوحد والإعاقات الأخرى تحت إشراف ودعم من قبل سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند بحيث يوفر التعليم الخاص والرعاية والعلاج حتى سن الواحد والعشرين وبالتالي يتم تحويل المستفيدين إلى سوق العمل القطري في خطة مرسومة نحو توظيف عدد منهم من الذي يمتلك مهارات مقبولة للعمل في وظائف بسيطة بحسب الإمكانات والقدرات. ويدرك المركز أهمية تكامل الأدوار بين الأهالي والمركز بحيث يتعرف الأهالي على نوعية الخدمات العلاجية والتعليمية المقدمة لأبنائهم ومساعدتهم لتخطي مراحل الخدمات المقدمة. ويتخطى مركز الشفلح خط التعريف بالفئة داخل المركز ومع الأهالي إلى التعريف بحقوق الفئة وقدراتها خارج المركز مع الوسط الخارجي. ولا يفوتني في هذا السياق أيضا أن أذكر الجمعية القطرية لرعاية وتأهيل المعاقين والتي بذلت ولا تزال تبذل جهودا كبيرة ملموسة في سبيل التأهيل والرعاية للفئة التي بالفعل لا تلقى غير السخرية والاهمال. وهي رعاية ملموسة وواقعية ويظهر أثرها في الفئة المستهدفة مباشرة وليس مجرد إنجازات وهمية أو تنظيرية لملء الفراغ والورق. ومثل هذه المراكز والجمعيات المعنية بقضية ذوي الإعاقة تمثل مراكز للتغلب على التحديات ورمزا للصمود والحفر في الصخور والأمل المرسوم على جبين كل طفل يرسم البسمة على وجهه ويمسح بنفسه الدمعة من على خده وهو متسلح بالإرادة وتحدي الإعاقة.
.. معهد القناديل المضيئة
يعد معهد النور للمكفوفين في حقيقة الأمر المعهد الذي يوقد شمعة في الظلام للآخرين، والذي يزرع الأمل ويرفع الروح المعنوية للمكفوفين الذين ينيرون دروبهم بكفاحهم ويضيئون أمامهم القناديل بتعلمهم وإصرارهم على التعلم. يتعلمون المعاني التي تمدهم بالبصيرة والإيمان وتمدهم بالنبراس الذي يهتدون خلاله إلى مكنونات إبداعهم وقدراتهم الكامنة التي تضيء العالم بإبداعها. إنني أقدم الشكر الجزيل للعاملين جميعهم لأنهم بالفعل يحولون السراب إلى حقيقة ويحولون الظلام إلى نور. وتحية خاصة إلى الفاضلة حياة خليل التي هي أساس الكفاح ورمز العطاء ونموذج حي على البصيرة اللامعة.
معوقات دعم قضية ذوي الاعاقة
يكافح ذوو الإعاقة ليثبتوا للعالم اجمع قدراتهم كل واحد بحسب إعاقته التي تظهر له هذه القدرة ولكنهم يصدمون بعدة معوقات تهدم قضيتهم وتخيب آمالهم. ومن معوقات دعم قضية الإعاقة أذكر:
1-عدم اقتناع بعض الأهالي في الأخذ بيد هذه الفئة واكتشاف ما يمكن أن نقدمه من مساعدات تعليم وتدريب وعلاج.
2-ضعف تقديم وسائل دعمها نفسيا ومعنويا في محيط الأسرة والمجتمع والإعلام.
3- السخرية من الإعاقات المختلفة وعدم الإيمان بقضيتها.
4- الخوف من تقديم التعاطف والدعم للفئة نتيجة الاتجاهات السلبية تجاه الفئة.
5- الإهمال الأسري بسبب تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
ذوو الإعاقة وصعوبة الدمج
آلمتني أكثر من مرة مشاهد مؤلمة لبعض طالبات الدمج من ذوي الإعاقة في إحدى المدارس الحكومية. حيث كانت تتلقى بعضهن كلمات سخرية وركلات استهزاء من قبل بعض الطالبات اللواتي يشاركنهن الدراسة داخل الفصل وخارجه. وكنت حين أرى هذه المشاهد الرافضة من قبل الطالبات ويرفضن أن يدرسن مع طالبات دمج من ذوي إعاقات مختلفة حركية وعقلية أبدأ أقلق على نفسية طالبات الدمج اللواتي يرين الرفض والاستياء والسخرية من طالبات المدرسة وينعكس على تقبلهن الدراسة ويئد فكرة الدمج ومخالطة الأسوياء ولا تتحقق أهداف الدمج. ومن هنا فإنني لأرجو من المدارس التي لديها طلاب دمج أن تحقق أهداف الدمج بتسخير كل الإمكانات التي تيسر حصول طالب الدمج على الدعم المعنوي والنفسي والاجتماعي المطلوب لتأهيله ورفع الحرج عنه والانتباه إلى علامات الإحباط التي تصيب طالب الدمج من أقرانه الأسوياء، والحرص كل الحرص على عدم تعرضه للسخرية. وأؤكد أيضا على أن طالب الدمج أصلا لا يحتاج إلى تعليم وتدريب بقدر ما يحتاج إلى ان يشعر بالأمان والراحة النفسية وسط جو مناسب يساعده على الشعور بالأمان ورفع القلق والحرج عنه. وحتى تتحقق أصلا فكرة الدمج في الواقع فلا بد من تأهيل الطلاب الأسوياء بتقبل الضيف الجديد ومنحهم فرصة التعرف بطالب الدمج وبما يتمتع به من مواهب وقدرات. وأتوقع أنه لو أحسن الأخصائيون النفسيون القيام بهذه المهمة لما حدثت هناك مشاهد التجريح وإيقاع طالب الدمج في إحراج مع جمهرة غفيرة تلتم حوله وهو لا حول له ولا قوة ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. فالطلاب الأسوياء ينتهزون فرص غياب الأخصائي النفسي المرافق لطالب الدمج أو غياب المدرس لتعذيبه نفسيا وجسديا. وأحيانا يتصنعون تقبلهم لطالب الدمج وهم على خلاف ذلك. وعليه فإنه يقع على الأخصائي النفسي والاجتماعي أيضا مسؤولية الدمج بالفعل وليس بالاسم وعليه أن يترجم الدمج فعليا مع المعلمين الآخرين الذين يشتركون معه في مسؤولية الدمج وذلك بتضافر عنصرين وهما : أن يتقبل الطلاب الأسوياء تقبلا ملموسا حقيقيا يترجم في تعاملهم وتعاطفهم ودفاعهم عن زميلهم طالب الدمج وكذلك أن يستطيع طالب الدمج الاندماج النفسي والاجتماعي ويبتسم الابتسامة التي تعكس فرحة قلبه بمشاركة الأسوياء في تلقي التعليم والتدريب وممارسة الأنشطة.
نقاط ضعف دمج طلاب ذوي الإعاقة
هل المشاهد المؤثرة السلبية التي تحدث لطلاب الدمج تمر مرور الكرام أمام إدارات مدارس الدمج؟ وهل يقف المسؤولين عن طلاب الدمج مكتوفي الأيدي في المدارس التي تكون ربما أصلا كهيئة إدارية وتدريسية غير مؤهلة نفسيا لاستقبال طلاب دمج؟. وهل تعلم إدارة الشؤون الاجتماعية التي هي الجهة المسؤولة عن الإشراف على برنامج الدمج عما يحدث من مصادمات نفسية مع الطلاب الأسوياء؟ وكيف يمكن التحقق إلى أي مدى استطاع طالب الدمج الاستفادة من الوسائل المتاحة له للتعلم؟ وهل التقديرات وشهادات الاجتياز للاختبارات هي تعكس جوهر أدائه الفعلي أم مجرد علامات ترفيع لإنجاح فكرة الدمج؟ وتصرح لنا بعض المدارس التي تمارس الدمج لديها أنها قد استعدت لاستقبال طلاب الدمج. ويتضح أن الاستعداد مقتصر فقط من ناحية تهيئة الممرات داخل المدرسة وبعض الأنشطة وشراء أرخص الهدايا الرمزية التشجيعية لهم أو إشراكهم في برامج التليفزيون الترفيهية والجلوس للتصفيق وحجز مقاعد أمامية لهم وكأن هذا الأمر نهاية الآمال المرجوة لتحقيق مفهوم الدمج!. لذلك فإنني أحصر عددا من معوقات الدمج ونقاط الضعف فيها:
1- ضعف تعليمهم وتدريبهم وفق منهج وطريقة خاصة بهم وسط الأسوياء.
2- عدم إبراز مهاراتهم اليدوية والمواهب البسيطة الفنية أو الشعرية التي يمتلكونها.
3- ضعف الجهود الرامية إلى مساندة طلاب الدمج على تقبل المدرسة وفي علاقة طالب الدمج مع مدرسته، وفي علاقة المدرسة مع الأسرة وعلاقة الأسرة مع المدرسة.
4- نقص طبيعة ونوعية الخدمات المقدمة لهم.
5- عدم مراعاة الفروق الفردية.
فكيف أعامل طالب دمج لديه ضعف سمع مع طالب دمج لديه إعاقة حركية وطالب آخر لديه نوع من تخلف عقلي بسيط وآخر كفيف وآخر مصاب بالتوحد؟
كثير من عامة الناس المثقفين وغير المثقفين يخلطون بين ذوي الإعاقة وبين من لديهم صعوبات التعلم وبطيئي التعلم والمتأخرين دراسياً. وكان مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة مخصصا لذوي الإعاقة بأنواعها المختلفة الفكرية والعقلية والجسدية ولكنه أصبح كلمة مطاطة لتعني ذوي الإعاقة وذوي صعوبات التعلم وبطيئي التعلم والمتأخرين دراسيا. وهذا يعني أنهم مختلفون اختلافا جذريا عن ذوي الإعاقة. ولا بد أيضا من التفريق بين من نسميهم بطيئي تعلم أو متأخرين أو لديهم صعوبات تعلم وذلك بناء على أسس من بينها جانب التحصيل الدراسي والحصول على درجات منخفضة بسبب صعوبة المادة أو القراءة أو الإملاء واضطراب الذهن من ناحية الانتباه والتركيز، ما نسميه صعوبة تعلم أو عدم القدرة على استيعاب جميع المواد نتيجة انخفاض معامل الذكاء ما نسميه ببطء في التعلم أو إهمال الدراسة بسبب انخفاض الدافعية للتعلم أو التعرض لظروف خاصة او صحية طارئة، ما نسميه تأخرا دراسيا. وكل حالة من هذه الحالات الثلاثة تظهر واضحة مع دخول المدرسة والسؤال الذي يطرح نفسه : هل يلتبس الأمر على المعنيين بالتشخيص في تشخيص الطلاب ذوي المعدلات المتدنية التشخيص السليم؟ ثم يكتشف المعلمون خطأ التشخيص نتيجة الممارسة اليومية والاحتكاك اليومي بهم وبالتالي لا يتم تقديم الخدمة المناسبة لهم؟ والملاحظ أن أولياء الأمور الذين لديهم أبناء منخفضي التحصيل الدراسي يضيعون بين أن يصنفوهم من ضمن طلاب صعوبات التعلم أو بطيئي التعلم أو من ضمن من نسميهم المتأخرين دراسيا. وهذه الضبابية ترجع إلى عدم التصنيف الصحيح ويقوم ولي الأمر بالتأكد من نفسه من قبل زيارة أخصائي علمي لهذه الحالات. بينما يعم الجهل الغالبية من الذين يرون الطفل الذي لديه انخفاض في التحصيل او عدم القدرة على الاستيعاب أو امتلاك المهارات الجامعية فطفل لديه تخلف عقلي ويصنفونه حسب اعتقادهم بتصنيفات غير علمية وتظهر عليه إشاعات لإعاقات عقلية تلتصق به وهي ليست فيه بتاتا.
http://www.al-watan.com/data/2009022...p?val=local7_1
تعليق