أبو القاسم الشابي.. عاشق متألم في محراب الوجود
العرب أونلاين- شادي زريبي
العرب أونلاين- شادي زريبي
لم يدُم تغريده سوى بضعة سنين لم يشدُ فيها سوى تقاسيم الكلام وعبير القصائد.. لم يمهله الموت طويلا حتى خطفه من على ربوته العالية التي احتوته وحضنته من لفح الهجير وبرد الشتاء.. صاحب القلب العليل والنبرة الحزينة الخالدة أبدا.. من قلب النخيل أتى وبين ربوع الجنوب التونسي نشأ وترعرع ليكون صوتا غير عاديّ وشاعرا استثنائيا.
أبو القاسم الشابي الذي فتح في القصيد طريقا ليعبر منه إلى دنيا الآفاق الرحبة والوجود القاسي..صوت المضطهدين وباعث الثورة في نفوس المحرومين.. من هناك عند الرُبى الفسيحة والتلال المرتفعة والبساتين الخُصر إرتفعت هامته لتعلو وتعلو إلى أن غطت سنابل الحقول المترامية.
مولده ونشأته
و لد أبو القاسم الشابي يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من فبراير/شباط عام 1909 في بلدة توزر التونسية . والده، الشيخ محمد الشابي، كان رجلاً صالحا، تولى القضاء في أنحاء البلاد التونسية خارج العاصمة لفترة امتدت بين عامي 1910 ، تاريخ توليه القضاء، و حتى وفاته في العام 1929 .
و كان من نتيجة ذلك أن الشاعر لم ينشأ في مسقط رأسه، بل خرج منه في السنة الأولى من عمره مع الأسرة، حين بدأ والده بالطواف في البلدان التي كان يعين فيها للقضاء و كان لهذا الطواف الذي دام تسع عشرة سنة أثره على الشاعر من جميع النواحي . فقد تعرض الطفل الناشئ ، النحيف الجسم، المديد القامة، السريع الإنفعال لجميع أنواع المناخ في البلاد التونسية، من حرّ المدن الساحلية إلى برد الجبال المرتفعة.
كما تعرض إلى الاحتكاك بمختلف العادات و اللهجات بين أهل الشمال و أهل الجنوب،
و بين تلك البيئات والمدن التي تنقل بها الشاعر، ما يقدر بمئات الأميال أحيانا.
نشأ أبو القاسم الشابي في أسرة دينية فقد تربى على يدي أبوه وتلقن روح الصوفية الصحيحة التي كانت سائدة في المغرب العربي، وسددتها دراسته الدينية، وساعده مكوثه في مدينة تونس لدراسة الحقوق أن ينضم للنادي الأدبي وأخذت مواهبه الأدبية تبرز وتعبّر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاضرات، أعلن فيها عن نفسه وهو دون العشرين. ونلمح في عجالة لتجربته الكبرى التي باءت بالفشل لأن طائر الموت اختطف حبيبته وأعقبه بفترة أن أختطف أبوه مثله الأعلى ومربيه ومثقفه.
تعليق