تويت
الصحة النفسية لدي الأطفال
يعد مفهوم الصحة النفسية من المفاهيم التي أصبحت شائعة في الوقت الراهن وبشكل كبير وذلك للعديد من الأسباب التي يمكن أن نجملها فيما يلي :
- ازدياد الاضطرابات والمشكلات النفسية بشكل ملحوظ نتيجة التغيرات والضغوط التي نحيا فيها 0
- زيادة الوعي بطبيعة العلاقة بين الصحة النفسية والصحة الجسدية 0
- أهمية الصحة النفسية للفرد في تحقيق الصحة النفسية للمجتمع 0
والصحة النفسية في أبسط معانيها تعني : تمتع الفرد بقدر من التوافق الشخصي والاجتماعي أي مع ذاته ومع الآخرين , والرضا عن الحياة وما حققه فيها من أهداف والقدرة علي مواجهة متطلباتها والسلوك بطريقة يرتضيها الواقع وتتفق مع المعايير التي تحكم الجماعة التي ينتمي إليها 0
ومن خلال التحديد السابق يمكننا القول بأن مفهوم الصحة النفسية إنما هو مفهوم نسبي يختلف باختلاف المجتمعات والثقافات ويختلف كذلك داخل المجتمع الواحد باختلاف الجماعات والثقافات الفرعية وأيضا باختلاف الزمن المعاش 0 فما هو مقبول ودليل علي الصحة النفسية في مجتمع ما قد يكون غير مقبول بل ودليل علي اللاسواء في مجتمع آخر , وما هو مرغوب فيه في فترة زمنية معينة قد يكون مرفوض في فترات لاحقة داخل نفس المجتمع 0
غير أن هناك مجموعة من المؤشرات التي يمكن أن نعتبرها مؤشرات أساسية للصحة النفسية لا يمكن الاختلاف عليها إلا أن الاختلاف قد يكون في طبيعة المعايير الاجتماعية التي تحددها كل جماعة ومن هذه المؤشرات :
- شعور الفرد بالرضا عن ذاته بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات 0
- وعي الفرد بسلبياته ومحاولة السيطرة عليها وعلاجها 0
- القدرة علي وضع أهداف واقعية قابلة للتحقيق 0
- الرضا عن المجتمع والمعايير التي تحكم الجماعة والقدرة علي التعايش معها 0
- القيام بأعمال وسلوكيات تتفق ومعايير الجماعة 0
- القدرة علي إقامة علاقات شخصية واجتماعية فعالة وإيجابية 0
والصحة النفسية وفقا للمفهوم السابق مثلها مثل الصحة الجسدية لا تظهر فجأة كما أنها لا تختل فجأة وإنما هي مفهوم نمائي تبدأ أساسياتها في التكوين مع بداية الحياة , فكل ما نتعرض له من خبرات ومواقف سواء كانت إيجابية أو سلبية في كل مرحلة من مراحل العمر يسهم بقدر ما في مدي تحقق صحتنا النفسية أو اختلالها ويمكننا من التنبؤ بمدى تمتع الفرد بها في مراحل الحياة التالية 0 معني هذا أن تمتع الطفل بصحة نفسية جيدة في مراحل نموه الأولي إنما يعد مؤشرا أساسيا لتمتعه بصحة نفسية جيدة في المراحل التالية ما لم يتعرض لخبرات وتجارب صادمة ومتلاحقة تؤثر علي توافقه وقدرته علي التعايش الإيجابي 0
والصحة النفسية للطفل لا تتحقق إلا من خلال أسرة تتمتع هي ذاتها بالصحة النفسية ( فاقد الشيء لا يعطيه ) فالأسرة هي الممثل الأساسي للمجتمع في المراحل الأولي للنمو والمسئول الأول عن عملية التنشئة الاجتماعية بما تتضمنه من عملية غرس للقيم والمعايير التوافقية للأبناء وتعليمهم أسس السلوك الصحيحة والمقبولة والتي يرتضيها المجتمع وتدريبهم عليه بطرق سوية مما يسهم في وضع اللبنات الأولي لشخصية سوية قادرة علي التكيف 0 ولا يخفي علينا ما لأهمية السنوات الأولي من الحياة من آثار بالغة الأهمية , فالطفل يولد ولديه الاستعداد لكل شيء تقريبا ثم يبدأ بعد ذلك دور العوامل البيئية المختلفة في إظهار تلك الاستعدادات وصقلها ولعل من أهم هذه العوامل الأسرة , فهي أول من يستقبل الطفل ويعلمه ويدربه , ولقيام الأسرة بدورها علي أكمل وجه لابد وأن تتعلم كيفية التعامل مع الطفل بطريقة سوية لتتمكن من التأثير عليه وتحويله إلي كائن اجتماعي , ومن الأساليب البالغة الأهمية التي يجب إتباعها في تلك المرحلة أسلوب الثواب والعقاب بشقيهما المادي والمعنوي والذي يساهم بقدر كبير في اكتساب السلوك المقبول اجتماعيا شريطة أن يتم استخدامه بطريقة صحيحة والتي تتطلب إعطاء المبررات عند الإثابة أو العقاب بأسلوب يفهمه الطفل ويتناسب مع طبيعة تفكيره وذلك حتى يتم تثبيت السلوك المرغوب وتعزيزه وإطفاء السلوك الغير مرغوب 0
ولكي تتمكن الأسرة من القيام بتلك الوظيفة الهامة لابد وأن تكون هي ذاتها متمتعة بصحة نفسية جيدة كما سبق وأن أشرنا ومتفهمة لأهمية دورها ولكيفية القيام به , ومن المؤشرات الهامة والدالة علي مدي ما تتمتع به الأسرة من صحة نفسية والتي تؤثر وبشكل كبير علي النمو السوي للأبناء طبيعة العلاقة بين الزوجين ومدي التوافق النفسي والانفعالي بينهما وسيادة جو من الود والتفاهم والتماسك بين أفرادها , فالخلافات بين الزوجين والاتجاهات السلبية نحو الحياة الزوجية والشعور بالتعاسة والمشكلات النفسية التي قد يعاني منها الزوجين أو أحدهما وكذلك المشكلات المادية والاجتماعية كلها تؤثر سلبيا علي الأبناء نتيجة لما يتعرضون له من أنماط سلوكية لا تشجع علي النمو السوي , فلا شك أن الأجواء التي يسود فيها الحب والعطف والقبول تساعد علي نمو الطفل بشكل يساعده علي تقبل الآخرين وتكوين مشاعر إيجابية تجاههم والثقة فيهم0
كذلك قد تؤثر بعض الأساليب التربوية المبالغ في استخدامها من الوالدين أو أحدهما في النمو النفسي السوي لدي الأبناء , فالحماية الزائدة التي قد يحيط بها الأبوان طفلهما أو الإهمال الزائد والتدليل المبالغ فيه أو القسوة الشديدة وغير ذلك من أساليب كلها تؤثر وبشدة علي النمو النفسي مما ينعكس بدوره علي التكيف والتوافق سواء في مرحلة الطفولة أو في المراحل اللاحقة , لذلك يجب أن تتنبه الأسرة إلي خطورة دورها وأهميته في تمتع الأبناء بالصحة النفسية اللازمة للاستمرار في الحياة والتي تدفع إلي تحقيق الذات 0
بالإضافة لما سبق هناك العديد من المؤسسات الاجتماعية الأخرى التي تساهم في مدى تمتع الأطفال بالصحة النفسية والتي يأتي دورها بعد دور الأسرة لتكمل ما بدأته وتتعاون معها في تشكيل الشخصية السوية , ومن هذه المؤسسات المدرسة التي تقدم للأبناء العديد من النماذج السلوكية وتدربهم علي الالتزام بالمعايير والقواعد المجتمعية وتغرس فيهم وتنمي لديهم القيم والمثل التي تساعدهم علي العيش في جماعة بشكل توافقي , ومن هنا يجب أن ننبه علي أهمية التكامل بين الأسرة والمدرسة وألا يكون هناك نوع من التناقض الذي قد يؤثر علي التوافق ومن ثم علي الصحة النفسية 0
كذلك نجد أن لوسائل الإعلام بما تقدمه من نماذج سلوكية وكذلك دور العبادة وجماعات الأصدقاء تأثيرات عديدة علي النمو النفسي ومن هنا يجب أن يتكاتف الجميع والعمل سويا علي تقديم النموذج الإيجابي الذي يرتضيه المجتمع لأبنائه والذي يساعدهم علي التوافق السوي ليصبحوا في المستقبل متمتعين بصحة نفسية جيدة تساعدهم علي تحقيق الذات مما يساهم وبشكل إيجابي في نمو المجتمع ويساعده في تحقيق أهدافه 0
تعليق