[align=justify]
[/align]
حين كنت في الصّفّ الأوّل الإبتدائي كنت صغيرة الحجم بالنّسبة لباقي بنات الفصل حينها ...
كنت قد تعوّدت على مقعد صغير لي في البيت أحضرته لي والدتي رحمها الله لأرسم وألون عليه ... وكان جميلاً وملوّناً ومريحاً لطفلة في مثل حالتي ...
ومع أول جلسة لي على مقعد المدرسة شعرت أنني أجلس في فراغ ... فالمقعد كبير وهو بحجم مقاعد أطفال الصّفّ السّادس !!!
كنت أتلجلج في المقعد ... وأشعر بين حين وآخر أنني سأسقط عنه ... فأصبحت أقف في حصّة الكتابة حتى إذا ما تعبت عدت فجلست ...
وبعد محاولات مضنية للتأقلم مع هذا المقعد وجدتني أمام ضرورة مصارحة والدتي بالمشكلة ... فأنا لم أعتد أن أشتكي إليها في مثل هذه الأمور إلا عندما أستنفذ كلّ قدراتي لعلمي بما تتسبب لها شكواي من ألم وأسى على طفلتها الأثيرة المريضة ...
وفوجئت بأنّ والدتي كانت تشعر منذ أول يوم بعدم راحتي في الجلوس على مقاعد الفصل العاديّة الكبيرة وكانت قد هيّأت لي من أجل ذلك مفاجأة لم أتوقّعها ...
وما هي إلا أيّام حتّى رأيت داخل صفّي مقعداً صغيراً مختلفاً عن باقي المقاعد اختلافي عن باقي الأطفال ... قد صنعته والدتي عند نجّار حيّنا ...
والأعجب أنّني رأيت صديقتي المفضّلة تجلس عليه ... وكانت أصغر قامة منّي ...
لم تشأ والدتي رحمها الله أن تشعرني بالاختلاف عن صديقاتي فطلبت من المعلّمة إجلاس صديقتي المفضّلة بقربي في مقعدنا المتميّز وكان اسمها ( عُلامة ) وقد كانت في نعومتها ولطفها عَلامة ...كما كنت بجرأتي وحساسيتي وإرادتي بين الأطفال علامة مميّزة أيضاً ... trade mark .
( على فكرة هذه الصفات منقولة من استمارتي حينها ... يعني هو رأي معلمتي ) ههههه .
كم كانت سعادتي وسعادة عُلامة غامرة بمقعدنا الجديد ... وبينما كانت والدتي تشعر بالامتنان للمدرّسة ولوالدة علامة لتعاونهما في تهيئة الوضع المناسب لي ... كانت المدرسة ووالدة علامة أكثر امتناناً لوالدتي وذلك أنّ مستوى علامة الدّراسي قد تحسّن ...
رغم صغري كنت أشعر أنّ عليّ أن أقدّم لعلامة شيئاً ما مقابل رضاها بتغيير مقعدها رغم علمي بمحبتها لي ورغبتها في مجالستي والثرثرة معي ... لذلك كنت أساعدها في فهم الدّروس وكانت والدتي ( وهي مدرّسة ) تستدعيها بين حين وآخر إلى بيتنا كونها قريبة المسكن منّا لتعليمها وتحسين مستواها الدراسيّ ... وكنت أجلس معها بتوجيه من والدتي كي لا تشعر بالوحدة والاختلاف كما كانت تجلس قربي في مقعدي كي لا أشعر بذلك ...
وطبعاً لا أخفيكم أنّني كنت مقلّدة بارعة لأمّي فكنت الأستاذة البديلة لعلامة في المدرسة سيما وأنّني كنت أحبّ أن تكون صديقتي المقربة طفلة مجتهدة ...
وأذكر تماماً حين أسرّت لي علامة بأمر يصعب على الأطفال أن يسرّوا بمثله عادة ...
قالت : ( هنيئاً لك يا ميسون بأمك ... يا ليتها كانت أمي ... إنّ أمي لا تهتمّ بي وتعاملني بقسوة ... أما أمك فهي لطيفة جدّاً وأشعر أنّها تحبني وكأنّني ابنتها ) ... ثمّ بكت وأبكتني ...
ذكرت ذلك لوالدتي فازدادت بها اهتماماً وتحدّثت إلى والدتها وقمنا بزيارتهم مراراً وكذلك هم ...
لم تكتف علامة بمصاحبتي في مقعدي بل كانت ترافقني مع كلّ يوم إلى مدرستي رغم صعوبة سيرها معي ... فيا لروعة الأطفال ويا لبراءتهم وطهر قلوبهم وسموّ وجدانهم ...
غادرت دمشق إلى الكويت حيث درست الصفين الثاني والثالث ثمّ عدت إلى دمشق ومدرستي وأول من سألت عنها صديقة المقعد والدّرب عُلامة والّتي لم تكمل دراستها فقد خرجت من الابتدائية لأنّها لا تملك أمّاً كأمّي ... وكم حاولت إقناعها وكذلك والدتي بعدم ترك المدرسة فأخبرتنا بأنّ الأمر ليس بيدها بل بيد والديها ... وكان حزني شديداً لفراقها ... وما لبثت أن سمعت خبر خطبة علامة وهي في سن الثانية عشر !!! تصوّروا ...
وبينما تركت علامة وغيرها من الأطفال الأصحّاء المدرسة لجهل ذويهم ولظلمهم أحياناً كنت بفضل الله ثمّ بفضل والدتي أترقّى في مراتب العلم رغم كلّ ما كان يواجهني وإياها من صعوبات وتحدّيات ...
رحم الله والدتي ... كم كانت مربية حكيمة وأمّاً عظيمة ...
وأتساءل الآن ؟ هل ما زال ذلك المقعد الّذي جمعني بعلامة موجوداً؟ وهل كان يلفت انتباه من جلس عليه بعدي من الأطفال اختلافه عن باقي المقاعد الأخرى ؟ وهل تراهم تساءلوا عن سرّ ذلك الاختلاف وقصّته ؟ أم تراه أودع جانباً في انتظار من يشعره بقيمة دوره كما شعر بها حين جلست عليه طفلة مختلفة مثله كانت أحوج ما تكون إليه ...؟
الله أعلم ...
كنت قد تعوّدت على مقعد صغير لي في البيت أحضرته لي والدتي رحمها الله لأرسم وألون عليه ... وكان جميلاً وملوّناً ومريحاً لطفلة في مثل حالتي ...
ومع أول جلسة لي على مقعد المدرسة شعرت أنني أجلس في فراغ ... فالمقعد كبير وهو بحجم مقاعد أطفال الصّفّ السّادس !!!
كنت أتلجلج في المقعد ... وأشعر بين حين وآخر أنني سأسقط عنه ... فأصبحت أقف في حصّة الكتابة حتى إذا ما تعبت عدت فجلست ...
وبعد محاولات مضنية للتأقلم مع هذا المقعد وجدتني أمام ضرورة مصارحة والدتي بالمشكلة ... فأنا لم أعتد أن أشتكي إليها في مثل هذه الأمور إلا عندما أستنفذ كلّ قدراتي لعلمي بما تتسبب لها شكواي من ألم وأسى على طفلتها الأثيرة المريضة ...
وفوجئت بأنّ والدتي كانت تشعر منذ أول يوم بعدم راحتي في الجلوس على مقاعد الفصل العاديّة الكبيرة وكانت قد هيّأت لي من أجل ذلك مفاجأة لم أتوقّعها ...
وما هي إلا أيّام حتّى رأيت داخل صفّي مقعداً صغيراً مختلفاً عن باقي المقاعد اختلافي عن باقي الأطفال ... قد صنعته والدتي عند نجّار حيّنا ...
والأعجب أنّني رأيت صديقتي المفضّلة تجلس عليه ... وكانت أصغر قامة منّي ...
لم تشأ والدتي رحمها الله أن تشعرني بالاختلاف عن صديقاتي فطلبت من المعلّمة إجلاس صديقتي المفضّلة بقربي في مقعدنا المتميّز وكان اسمها ( عُلامة ) وقد كانت في نعومتها ولطفها عَلامة ...كما كنت بجرأتي وحساسيتي وإرادتي بين الأطفال علامة مميّزة أيضاً ... trade mark .
( على فكرة هذه الصفات منقولة من استمارتي حينها ... يعني هو رأي معلمتي ) ههههه .
كم كانت سعادتي وسعادة عُلامة غامرة بمقعدنا الجديد ... وبينما كانت والدتي تشعر بالامتنان للمدرّسة ولوالدة علامة لتعاونهما في تهيئة الوضع المناسب لي ... كانت المدرسة ووالدة علامة أكثر امتناناً لوالدتي وذلك أنّ مستوى علامة الدّراسي قد تحسّن ...
رغم صغري كنت أشعر أنّ عليّ أن أقدّم لعلامة شيئاً ما مقابل رضاها بتغيير مقعدها رغم علمي بمحبتها لي ورغبتها في مجالستي والثرثرة معي ... لذلك كنت أساعدها في فهم الدّروس وكانت والدتي ( وهي مدرّسة ) تستدعيها بين حين وآخر إلى بيتنا كونها قريبة المسكن منّا لتعليمها وتحسين مستواها الدراسيّ ... وكنت أجلس معها بتوجيه من والدتي كي لا تشعر بالوحدة والاختلاف كما كانت تجلس قربي في مقعدي كي لا أشعر بذلك ...
وطبعاً لا أخفيكم أنّني كنت مقلّدة بارعة لأمّي فكنت الأستاذة البديلة لعلامة في المدرسة سيما وأنّني كنت أحبّ أن تكون صديقتي المقربة طفلة مجتهدة ...
وأذكر تماماً حين أسرّت لي علامة بأمر يصعب على الأطفال أن يسرّوا بمثله عادة ...
قالت : ( هنيئاً لك يا ميسون بأمك ... يا ليتها كانت أمي ... إنّ أمي لا تهتمّ بي وتعاملني بقسوة ... أما أمك فهي لطيفة جدّاً وأشعر أنّها تحبني وكأنّني ابنتها ) ... ثمّ بكت وأبكتني ...
ذكرت ذلك لوالدتي فازدادت بها اهتماماً وتحدّثت إلى والدتها وقمنا بزيارتهم مراراً وكذلك هم ...
لم تكتف علامة بمصاحبتي في مقعدي بل كانت ترافقني مع كلّ يوم إلى مدرستي رغم صعوبة سيرها معي ... فيا لروعة الأطفال ويا لبراءتهم وطهر قلوبهم وسموّ وجدانهم ...
غادرت دمشق إلى الكويت حيث درست الصفين الثاني والثالث ثمّ عدت إلى دمشق ومدرستي وأول من سألت عنها صديقة المقعد والدّرب عُلامة والّتي لم تكمل دراستها فقد خرجت من الابتدائية لأنّها لا تملك أمّاً كأمّي ... وكم حاولت إقناعها وكذلك والدتي بعدم ترك المدرسة فأخبرتنا بأنّ الأمر ليس بيدها بل بيد والديها ... وكان حزني شديداً لفراقها ... وما لبثت أن سمعت خبر خطبة علامة وهي في سن الثانية عشر !!! تصوّروا ...
وبينما تركت علامة وغيرها من الأطفال الأصحّاء المدرسة لجهل ذويهم ولظلمهم أحياناً كنت بفضل الله ثمّ بفضل والدتي أترقّى في مراتب العلم رغم كلّ ما كان يواجهني وإياها من صعوبات وتحدّيات ...
رحم الله والدتي ... كم كانت مربية حكيمة وأمّاً عظيمة ...
وأتساءل الآن ؟ هل ما زال ذلك المقعد الّذي جمعني بعلامة موجوداً؟ وهل كان يلفت انتباه من جلس عليه بعدي من الأطفال اختلافه عن باقي المقاعد الأخرى ؟ وهل تراهم تساءلوا عن سرّ ذلك الاختلاف وقصّته ؟ أم تراه أودع جانباً في انتظار من يشعره بقيمة دوره كما شعر بها حين جلست عليه طفلة مختلفة مثله كانت أحوج ما تكون إليه ...؟
الله أعلم ...
[/align]
تعليق