« بلد شهادات »
تلح على ذهني الجملة الشهيرة في مسرحية «أنا وهو وهي» «بلد شهادات صحيح» التي كان يكررها السكرتير أو ساعي المكتب «عادل إمام» مستنكراً معاملة الموكلين له واستخفافهم به على عكس احترامهم للأستاذ المحامي صاحب المكتب «فؤاد المهندس»، أتنهد في حسرة: ليتها ظلت «بلد شهادات صحيح»، ليتها ظلت مصر الستينيات عندما كان التقدير والاهتمام ينصب على صاحب الشهادة خريج الجامعة، عندما كان حلم الفتيات الزواج بطبيب أو مهندس بالسد العالي، أو ضابط بجيش مصر.. عندما كانت قيمة الإنسان ونظرة المجتمع له تقوم على أساس درجة علمه وشهادة تخصصه..
ليتها ظلت «بلد شهادات» لا تفارقني الفكرة عند تفكيري بالشباب الذين أعرفهم من خريجي الجامعات، فبعضهم مازال يبحث عن فرصة عمل بعد مرور سنوات على تخرجه، و بعضهم يعملون في مكانين ويبحثون عن الثالث على أمل فرصة التعيين أو التثبيت أو كتابة عقد مع جهة العمل وهذا أضعف الإيمان..
قال لي أحد هؤلاء الشباب منذ أيام، بعد سنوات من العمل في مكانين مختلفين دون أي التزام من أي جهة منهما، قال وهو يزف لي خبر حصوله على عقد أخيراً مع إحدى تلك الجهتين: «الحمد لله أن أصبح لي مكان ووضع محدد بعد أن كنت معلقا في الهواء كل تلك السنوات».
وآخر يعمل في ثلاثة أماكن.. ثم جاءت فرصة تعاقده مع مكان هو الأفضل مهنياً وهو بالنسبة له بمثابة الفرصة والحلم، اجتاز الامتحان التحريري وفترة الاختبار وأشاد به معظم القدامى في المكان إلا أحد الكبار اعترض على تعيينه متعللا بأنه لا توجد بينه وبين هذا الشاب «كيمياء»، وكانت النتيجة هي حرمان الشاب من الفرصة التي يحلم بها ويستحقها، قال لي بحسرة: «يبدو أن الخطأ أنني أجدت في الاختبار بدرجة أخافت الكبار مني!».
وثالث ورابع كل حلمهما أن يعملا، أقصى أحلام جيل كامل هو فرصة عمل... فبعد إلغاء المسابقات والامتحانات التي تؤهل للعمل وتفرز الأصلح، و إلغاء دور القوى العاملة الذي كان مسئولا عن تعيين الخريجين، أصبح الحصول على عمل عطية وهبة من أصحاب الأعمال ورؤساء المصالح والوزارات تقتضي للفوز بها وضع الكثير من النفاق والتملق، مع إضافة بعض من العلاقات والواسطة وبالطبع ضرورة وجود «كيمياء» ورشة استلطاف.
ليتها ظلت «بلد شهادات»، ظلت تلاحقني تلك الفكرة وأنا أقرأ رسالة وصلتني بالبريد الإلكتروني تحت عنوان «صرخة معوق» من الشاب عامر مصطفى، الحاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية عام 2006 والذي ذكر أنه من متحدي الإعاقة حيث إنه مصاب ببتر أعلى الركبة للساق اليمنى.
هذا الشاب الذي عمره في مثل عمر ابني الأكبر، تحداني واختبرني، عندما كتب يقول:
«بعد قراءتي لمقالتك بجريدة الدستور يوم الخميس الموافق 11 ديسمبر 2008 بعنوان فتات اللحم، خاصة تناولك لموضوع العطاء أرجو ألا يكون هذا الكلام كلام جرائد وأن يتم تطبيقه بالفعل وأرجو أن أقرأ مقالة تتضمن طرح فكرة إنشاء مجلس قومي للمعاقين في أقرب فرصة».
شرح لي عامر محاولاته المستميتة في الحصول على عمل بالحكومة مستفيداً من تخصيص نسبة 5% للمعاقين في الوظائف الحكومية وبعد اكتشافه أنها مجرد حبر على ورق حاول البحث عن عمل في القطاع الخاص لكنه واجه رفض أصحاب الأعمال له بمجرد معرفتهم بإعاقته لأنهم ببساطة يريدون أسوياء يستطيعون الاعتماد عليهم، كتب يقول:
«الوظيفة الحكومية أصبحت بالنسبة لي مسألة حياة أو موت لأنني لو لم أستطع الحصول عليها فلن أجد أمامي أي مصدر للدخل وعلي الانتظار والجلوس في المنزل وأن العبء الذي يتحمله والدي المسن بسببي سيستمر طويلاً رغم أن والدي الذي يبلغ من العمر 71 عاماً يتقاضى معاشاً تأمينياً قدره 112 جنيهاً فقط وهذا معاش بسيط لا يكفي احتياجات شخص واحد فما بالك بوالدي ووالدتي وإخوتي لقد تخطت سني 25 عاماً ولا زال والدي يتحمل نفقات معيشتي ولقد مللت من ذلك حيث أريد أن يأتي اليوم الذي أستطيع أن أنفق فيه على نفسي على الأقل إن لم أستطع أن أنفق على أسرتي لكي أرد جزءاً من الجميل ولكن هذا في غاية الصعوبة لأن المعاقين ليس لهم مكان على خريطة العمل».
كما اكتسب عامر حبي واحترامي له عندما لم يركز على مشكلته الشخصية بل طرح المشكلة بشكل عام واقترح حلاً أو فكرة كما وصفها لتشمل جميع متحدي الإعاقة حيث يقول:
«سيدتي الفاضلة.. إنني لا أطالب الآن بمساعدتي للحصول على وظيفة فهذه مشكلة فردية لكنني أطالبكم بطرح فكرة إنشاء مجلس قومي للمعاقين على السادة المسئولين. أن يكون لهم مجلس قومي يناقش مشاكلهم ويسعى لحلها ويساعد المعاقين وأيضاً يساهم في توفير الوظائف لهم».
تلك كانت رسالة عامر مصطفى من مركز أبوكبير محافظة الشرقية، بلديات وابن الدائرة الانتخابية للدكتور علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي وعضو مجلس الشعب عن بلدة أبوكبير!!!
ليتها ظلت «بلد شهادات» لا تفارقني الفكرة عند تفكيري بالشباب الذين أعرفهم من خريجي الجامعات، فبعضهم مازال يبحث عن فرصة عمل بعد مرور سنوات على تخرجه، و بعضهم يعملون في مكانين ويبحثون عن الثالث على أمل فرصة التعيين أو التثبيت أو كتابة عقد مع جهة العمل وهذا أضعف الإيمان..
قال لي أحد هؤلاء الشباب منذ أيام، بعد سنوات من العمل في مكانين مختلفين دون أي التزام من أي جهة منهما، قال وهو يزف لي خبر حصوله على عقد أخيراً مع إحدى تلك الجهتين: «الحمد لله أن أصبح لي مكان ووضع محدد بعد أن كنت معلقا في الهواء كل تلك السنوات».
وآخر يعمل في ثلاثة أماكن.. ثم جاءت فرصة تعاقده مع مكان هو الأفضل مهنياً وهو بالنسبة له بمثابة الفرصة والحلم، اجتاز الامتحان التحريري وفترة الاختبار وأشاد به معظم القدامى في المكان إلا أحد الكبار اعترض على تعيينه متعللا بأنه لا توجد بينه وبين هذا الشاب «كيمياء»، وكانت النتيجة هي حرمان الشاب من الفرصة التي يحلم بها ويستحقها، قال لي بحسرة: «يبدو أن الخطأ أنني أجدت في الاختبار بدرجة أخافت الكبار مني!».
وثالث ورابع كل حلمهما أن يعملا، أقصى أحلام جيل كامل هو فرصة عمل... فبعد إلغاء المسابقات والامتحانات التي تؤهل للعمل وتفرز الأصلح، و إلغاء دور القوى العاملة الذي كان مسئولا عن تعيين الخريجين، أصبح الحصول على عمل عطية وهبة من أصحاب الأعمال ورؤساء المصالح والوزارات تقتضي للفوز بها وضع الكثير من النفاق والتملق، مع إضافة بعض من العلاقات والواسطة وبالطبع ضرورة وجود «كيمياء» ورشة استلطاف.
ليتها ظلت «بلد شهادات»، ظلت تلاحقني تلك الفكرة وأنا أقرأ رسالة وصلتني بالبريد الإلكتروني تحت عنوان «صرخة معوق» من الشاب عامر مصطفى، الحاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية عام 2006 والذي ذكر أنه من متحدي الإعاقة حيث إنه مصاب ببتر أعلى الركبة للساق اليمنى.
هذا الشاب الذي عمره في مثل عمر ابني الأكبر، تحداني واختبرني، عندما كتب يقول:
«بعد قراءتي لمقالتك بجريدة الدستور يوم الخميس الموافق 11 ديسمبر 2008 بعنوان فتات اللحم، خاصة تناولك لموضوع العطاء أرجو ألا يكون هذا الكلام كلام جرائد وأن يتم تطبيقه بالفعل وأرجو أن أقرأ مقالة تتضمن طرح فكرة إنشاء مجلس قومي للمعاقين في أقرب فرصة».
شرح لي عامر محاولاته المستميتة في الحصول على عمل بالحكومة مستفيداً من تخصيص نسبة 5% للمعاقين في الوظائف الحكومية وبعد اكتشافه أنها مجرد حبر على ورق حاول البحث عن عمل في القطاع الخاص لكنه واجه رفض أصحاب الأعمال له بمجرد معرفتهم بإعاقته لأنهم ببساطة يريدون أسوياء يستطيعون الاعتماد عليهم، كتب يقول:
«الوظيفة الحكومية أصبحت بالنسبة لي مسألة حياة أو موت لأنني لو لم أستطع الحصول عليها فلن أجد أمامي أي مصدر للدخل وعلي الانتظار والجلوس في المنزل وأن العبء الذي يتحمله والدي المسن بسببي سيستمر طويلاً رغم أن والدي الذي يبلغ من العمر 71 عاماً يتقاضى معاشاً تأمينياً قدره 112 جنيهاً فقط وهذا معاش بسيط لا يكفي احتياجات شخص واحد فما بالك بوالدي ووالدتي وإخوتي لقد تخطت سني 25 عاماً ولا زال والدي يتحمل نفقات معيشتي ولقد مللت من ذلك حيث أريد أن يأتي اليوم الذي أستطيع أن أنفق فيه على نفسي على الأقل إن لم أستطع أن أنفق على أسرتي لكي أرد جزءاً من الجميل ولكن هذا في غاية الصعوبة لأن المعاقين ليس لهم مكان على خريطة العمل».
كما اكتسب عامر حبي واحترامي له عندما لم يركز على مشكلته الشخصية بل طرح المشكلة بشكل عام واقترح حلاً أو فكرة كما وصفها لتشمل جميع متحدي الإعاقة حيث يقول:
«سيدتي الفاضلة.. إنني لا أطالب الآن بمساعدتي للحصول على وظيفة فهذه مشكلة فردية لكنني أطالبكم بطرح فكرة إنشاء مجلس قومي للمعاقين على السادة المسئولين. أن يكون لهم مجلس قومي يناقش مشاكلهم ويسعى لحلها ويساعد المعاقين وأيضاً يساهم في توفير الوظائف لهم».
تلك كانت رسالة عامر مصطفى من مركز أبوكبير محافظة الشرقية، بلديات وابن الدائرة الانتخابية للدكتور علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي وعضو مجلس الشعب عن بلدة أبوكبير!!!
بقلم الكاتبة/ أمينة يحيى
نقلاً عن جريدة الدستور المصرية
العدد 577- الإصدار الثاني- الخميس 29 يناير 2009م- 3 صفر 1430هـ
الصفحة السادسة- باب رأي ورؤى
الرابط الخاص بالمقال عبر موقع الجريدة على الإنترنت:
http://dostor.org/ar/index.php?optio...3641&Itemid=31
نقلاً عن جريدة الدستور المصرية
العدد 577- الإصدار الثاني- الخميس 29 يناير 2009م- 3 صفر 1430هـ
الصفحة السادسة- باب رأي ورؤى
الرابط الخاص بالمقال عبر موقع الجريدة على الإنترنت:
http://dostor.org/ar/index.php?optio...3641&Itemid=31
تعليق